جرت العادة لدينا - في السعودية - ان لا ننام قبل منتصف الليل ولا نتناول عشاءنا قبل العاشرة او الحادية عشرة مساءً. وما يبدو لي اننا تحولنا فعلاً الى «خفافيش ليل» نملك ميلاً طبيعياً للسهر ليلاً والنوم نهاراً... ويشهد على هذه الحقيقة بقاء الأسر مستيقظة حتى ساعات الفجر - في رمضان والاجازات الدراسية - ولولا وجود «المدارس» لبقينا على هذه الحال طوال العام... وهذا بالطبع يختلف تماماً عما ألفه أجدادنا - حتى عشرين او ثلاثين عاماً مضت - حين كانوا يتناولون طعام العشاء قبل غروب الشمس ويخلدون للنوم فور صلاة العشاء.. الغريب ان عادة النوم المبكر هذه ما زالت موجودة لدى الشعوب الانجلوساكوسونية في انجلترا واستراليا ونيوزلندا وامريكا وكندا.. فكل من عاش او درس هناك لاحظ كيف يتناولون طعام العشاء في الخامسة مساءً ويخلدون للنوم بعد وقت بسيط من غروب الشمس (ويستثنى من ذلك ايام «الويك - اند» وليالي المناسبات والاعياد).. وفي جميع الاحول، من المؤكد ان اختراع الكهرباء شكل انعطافاً خطيراً في عادات النوم لدى جميع الشعوب، فقبل اختراع المصابيح الكهربائية احتكرت «الشمس» مسؤولية تنظيم ساعتنا البيولوجية لملايين السنين.. وهكذا كنا نشعر بالنعاس فور حلول الظلام (بين المغرب والعشاء) ونستيقظ بعد ساعات طويلة من النوم الهنيء (حين ترسل الشمس اشعتها من جديد) اما هذه الايام فأدى تشغيل المصابيح الضوئية طوال الليل (والتحديق في الشاشات المضيئة حتى مطلع الفجر) الى خداع ساعاتنا البيولوجية وابقائنا في حالة تيقظ وتحفز متواصل وهو ما يتنافى مع حكمة الخالق من تعاقب الليل والنهار {وجعلنا الليل لباساً والنهار معاشاً}. وقبل فترة بسيطة اظهر استطلاع دولي عن عادات النوم ان الآسيويين يسهرون اكثر من غالبية الاوروبين والامريكيين ويستيقظون في وقت مبكر عنهم واوضح الاستطلاع (الذي اجرته شركة ايه. سي. نيلسن لدراسة الاسواق في سنغافورة) ان 40 بالمائة من الآسيويين ينامون بعد منتصف الليل مقارنة بنحو 34 بالمئة في امريكا و30 بالمئة في اوروبا كما اوضح الاستطلاع الذي شمل 14100 شخص في 28 دولة ان الآسيويين يستيقظون ابكر من غيرهم وان اليابانيين اكثر الناس حرماناً من النوم. وقالت فيكي سانتوس مديرة المشروع «توجد ادلة كثيرة على ان وقت النوم لدى شعوب العالم اصبح يتأخر بالتدريج» وضربت مثلاً بارتفاع رواد الترفيه الليلي وكثرة المتصلين والمتسوقين عبر الانترنت اثناء الليل. وكان الاستطلاع قد اجري عبر الانترنت في اكتوبر الماضي واتضح من خلاله ان البرتغاليين اكثر شعوب العالم سهراً حيث لا ينام 75٪ منهم قبل منتصف الليل (وان كنت ارى ان هذه النسبة مازالت اقل مما يحدث لدينا ايام الاجازات).. اما بقية الترتيب (ضمن قائمة الدول الاكثر سهراً في العالم) فكانت جميعها آسيوية - وعلى رأسها تايوان التي قال 69٪ من شعبها أنهم يأوون الى الفراش بعد منتصف الليل. اما بخصوص الشعوب التي (تستيقظ مبكراً) فاحتل الآسيويون مجددا اكثر من نصف قائمة الدول.. وعلى رأس هؤلاء اتى الاندونيسيون الذين قال 91٪ منهم انهم يستيقظون قبل السابعة صباحاً - رغم ان نصفهم ينام بعد منتصف الليل - اما اليابانيون فاتضح انهم اقل شعوب العالم حصولاً على ساعات نوم كافية حيث ينامون متأخرين) ويستيقظون مبكرين وينام 41٪ منهم اقل من ست ساعات في اليوم.. (والآن فقد عرفت سر الغفوة الجماعية التي يدخلون فيها بمجرد ركوبهم في القطارات وباصات النقل العام)... وعلى النقيض من اليابانيين اتضح ان الاستراليين - ابناء عمومة الانجليز والامريكان - اكثر من ينام مبكراً ويحصل على ساعات نوم اطول في تلك الجهة من الارض!! .. اعود واشير الى ان الاضانة الاصطناعية الحديثة تتحمل مسؤولية كبيرة في تحفيز ساعتنا البيولوجية حتى آخر الليل... ليس هذا فحسب بل تتحمل مسؤولية البلوغ المبكر لفتيات العالم بسبب عملها على تسريع ساعتهن البيولوجية - والايحاء اليها بتعاقب النهار بنسبة اكبر!