يفهم من أقوال الكتاب الكلاسيكيين مثل «بطليموس» و«سترابو» أن مدينة «الجرها» واقعة في المنطقة الشرقية من المملكة السعودية. وهذه المدينة طبقت شهرتها الآفاق البعيدة؛ لكونها مقصداً للقوافل التجارية إبان ازدهارها. وقيل عن سكانها «الجرهائيين» بأنهم من أغنى سكان بلاد العرب وأن أوانيهم وأدواتهم مصنوعة من الذهب والفضة، وأن مساكنهم تتسم بالبذخ لكون أبوابها وجدرانها وسقوفها مطعمة بالذهب والفضة والعاج. أقول: هذه الشهرة وهذه المكانة التي اتصفت بها هذه المدينة من الأسباب التي حملت الملك «انتيوخوس الثالث» على القيام بحملة لاحتلالها، ولكنه عندما رأى وضعها الذي كانت عليه عدل عن احتلالها واكتفى بجزية كبيرة يدفعها له ملك «الجرها» وكرَّ راجعاً إلى بلاده. إن الباحث في تاريخ وجغرافية «جزيرة العرب» عندما يقرأ عن هذه المدينة التي أطلقوا عليها أوصافاً هي أقرب للخيال من الحقيقة لتتملكه الحيرة ويتساءل: أين تلك المدينة التي كانت في حقبة من الزمن تعج بساكنيها وتقصدها القوافل التجارية لتودع فيها البضائع النفيسة، أو تتزود منها وتمضي بأحمالها عابرة جزيرة العرب إلى الأصقاع النائية؟ هذه التساؤلات هي التي حملت الكتاب والباحثين في وقتنا الحاضر على الكتابة باسهاب عن «الجرها» وعن تحديد مكانها، وكل منهم يحاول أن يدعم رأيه بنصوص استقاها من أقوال المؤرخين القدماء التي وصفوا فيها الجرها وموقعها؛ تلك الأوصاف التي أصبحت في زمننا هذا بمثابة الألغاز نظراً لتغير الأسماء على مَرّ العصور. ومع كثرة ما كتب عنها فإن الباحثين لم يتفقوا على تحديد مكان معين لهذه المدينة المفقودة، منهم من قال إنها: ميناء العقير على ساحل الخليج العربي. ومن قال: إنها قد تكون الجبيل حالياً. وقائل يقول: إنها بلدة «ثاج». وقول رابع مفاده: أنها «الجرعا» في الأحساء. وهناك رأي يقول: إنها قد تكون تلك الآثار المسماة «القرية» الواقعة على الساحل شمالاً من ميناء العقير، وهذا الرأي هو ما مالت إليه «وكالة الآثار والمتاحف» في الموسوعة التي أصدرتها مؤخراً. وكل من هؤلاء الكتاب والباحثين يدعي وصلاً بليلى ولكن ليلى لم تقر لهم بذاك الوصل بَعْدُ!! وبقيت الجرها حتى الآن متأبية على من يريد الوصول إليها حفاظاً على كنوزها الدفينة وعلى أسرارها التي مازال يلفها الغموض. ويقيني أنه لا يمكن التعرف عليها من خلال النصوص القديمة المتوفرة عنها حتى الآن، وأنه لا سبيل إلى تحديد موقعها بشكل جازم إلاّ من خلال طريقين وهما: 1 - البحث والتنقيب الأثري في تلك المواقع الأثرية المسيجة منذ سنوات عديدة في المنطقة الشرقية عسى أن تكشف لنا الحفريات والمعثورات عن دليل يحدد لنا مكان الجرها. ولكن هل يتم مثل هذا العمل في الوقت القريب الله أعلم. 2 - أما الطريق الثاني فهو تتبع مسارات طرق القوافل التجارية التي قيل إنها تتجه إلى «الجرها» أو خارجة منها؛ فمتى تم هذا التتبع فسينكشف الغطاء الذي يلف هذه المدينة ويخفيها عن الأنظار. وهذا الطريق الثاني هو ما اخترته لمحاولة العثور عليها وتحديد مكانها، وذلك بحكم اهتمامي بتتبع مسارات طرق القوافل التجارية القديمة في جميع مناطق المملكة العربية السعودية. وقد ركزت في بحثي على الطريق الذي ظهر على خريطة الجغرافي اليوناني «بطليموس» وهو طريق يخترق رمال «الربع الخالي» من الجنوب إلى الشمال. فأين مسار هذا الطريق؟ لقد عثرت على مسار طريق موغل في القديم يمر بالقرب من «يبرين» وقمت بتتبع مسار هذا الطريق والتعرف على موارده وسجلت احداثيات المواقع وصورت ماعليه من شواهد أثرية المتمثلة بالصوى والمذيلات والدوائر الحجرية، وذلك على ضوء رحلات ميدانية متتابعة وكان يصحبني فيها الأستاذ سعد بن عبدالعزيز السالم - سلمه الله - وهناك في نواحي «يبرين» كنا نمر بما يشبه القرى المتناثرة من الصوى والمذيلات الطويلة والدوائر الواسعة المحكمة التنفيذ التي يبلغ قطر بعضها خمسين متراً. إنها بالفعل مشاهد أثرية محيرة، ومن يقف عليها سيضع عدداً من الأسئلة الصعبة التي ليس من السهل الاجابة عليها؛ إنها حشود حجرية نفذتها دولة قوية في زمن متقدم؛ لأن أحداً لا يعرف من نفذها. قد يقول قائل: إن هذه المشاهد التي وقفت عليها قد تكون مساكن أو مدافن - وقد قيل هذا فعلاً - فأقول: المدافن واضحة المعالم تدل على نفسها، وفي رحلاتنا تلك مررنا بالمدافن ووقفنا عليها وهي تعد بالمئات إن لم تكن بالآلاف، وهي تلك الواقعة على سفوح الجبال والمرتفعات شمال وجنوب «يبرين» وكذا في مواقع أخرى قريباً من سمت هذا الطريق وتلك الأخيرة لم أقرأ أن أحداً ذكرها. إن هذه المدافن تشبه الحقول وكثرتها تدل على كثافة الناس الذين كانوا يقطنون واحة يبرين منذ أزمنة سحيقة. وهذه المدافن لا تعنيني بشيء وليست من مجال بحثي. في آخر رحلة قمنا بها أوغلنا في سيرنا باتجاه الجنوب تاركين «صمان يبرين» على يميننا ورمال «الربع الخالي» على يسارنا، ويبدو لي أننا نسينا أنفسنا بسبب تلك المشاهد الخيالية المحيرة؛ ولذا أبعدنا النجعة في تلك الأرض الخالية الموحشة حيث لا ترى فيها شيئاً يتحرك بسبب عدم سقوط الأمطار على تلك الناحية في السنوات الأخيرة. ومع استمرارنا في السير فقدنا استمرارية تلك المشاهد؛ الأمر الذي يوحي بأننا فقدنا مسار الطريق. وقد خمنت أنه أما تيامن باتجاه «قرية الفاو» أو تياسر ليعبر رمال الربع الخالي، ونظراً إلى أن البحث في تلك المناطق النائية بسيارة واحدة فيه شيء من المجازفة، ولهذا فاتحت سعادة أمين عام «دارة الملك عبدالعزيز» الدكتور فهد بن عبدالله السماري بما اعترض طريقي وأن تتبع مسار هذا الطريق يتطلب أكثر من سيارة وأكثر من شخصين فقال لي نحن مستعدون بدعمكم بسيارة أخرى بسائقها مع أحد موظفي الدارة فشكرته على هذا التجاوب والدعم كما هي عادتهم. وقد قمنا بعد ذلك بثلاث رحلات موسعة غطينا فيها جميع الأراضي الواقعة جنوب وغرب يبرين، وقد سرنا مسافة مسافة مائة وخمسين كيلاً من يبرين باتجاه «قرية الفاو» وكنا قاصدين «ريداء» ولكن أعلام الطريق لم تظهر لنا فعدنا أدراجنا وفي بلدة «الجفاير» جنوب يبرين التقينا برجل مسن وسألته عن هذه المذيلات والدوائر فقال: لا أحد يدري عنها شيئاً سوى أنها قديمة وعندما قلت له انها انقطعت قال: انها لم تنقطع بل استمرت باتجاه مورد ماء «القليبة» في بداية الرملة؛ عند هذا أدركت أن الطريق دخل رمال الربع الخالي. وبالفعل استمرت معنا تلك المشاهد الأثرية إلى قرب الرمال لم نعثر على ماء «القليبة» بسهولة نظراً لأنها موقعة على الخريطة في غير مكانها الصحيح، وقد مررنا بها مصادفة أثناء العودة وهي واقعة على خط العرض 40 - 57 - 22 وخط الطول 22 - 01 - 49. ولنترك هذا الطريق الخرافي مؤقتاً؛ لأن تتبع مساره والجهة القادم منها يحتاج إلى جهود جماعية وامكانات قوية آملاً أن تتحقق هذه الأمور عن طريق التعاون بين «دارة الملك عبدالعزيز» وبين «هيئة المساحة الجيولوجية السعودية» ضمن مشروع «تحقيق مسارات طرق القوافل التجارية القديمة» الذي تحتضنه الدارة. لنعد إلى جرهائنا المحتجبة عنا. هذا الطريق الذي أسلفت الكلام عنه قدرت أنه قادم إلى الجرهاء من جهة الجنوب، ولعله الطريق الذي ذكره «بطليموس» في خريطته، ولاشك أن هناك طرقاً أخرى قادمة إليها أو صادرة منها، وقد حصرت أجزاء من هذه الطرق منها المُغرب ومنها الذاهب شمالاً، وإكمال تتبعها يحتاج إلى مزيد من الوقت والرحلات. من هذه الطرق القادمة إليها من جهة الغرب طريق يسمى «درب البرثاوي» ولم أجد حتى الآن ممن سألتهم من يعرف سبب تسمية هذا الطريق بهذا الاسم. كانت رحلتنا لتتبع مسار هذا الطريق يوم السبت 16/2/1426ه وكان بصحبتي رفيق الرحلات السابقة، والحيز الذي كنا نسير فيه فوق المرتفعات الواقعة غرب «وادي المياه» في المنطقة الشرقية، وأثناء سيرنا فوق أحد المرتفعات لتسجيل بعض العلامات التي أكل عليها الدهر وشرب رأينا علماً بارزاً يشاهد من بُعْد فوق سطح جبل يفصل بيننا وبينه منخفض «السبسب» وعندما نزلنا إلى بطن السبسب أدينا صلاة العصر وسجلنا ما وجدناه فيه من علامات متتابعة ثم اتجهنا قاصدين ذاك العلم البارز فوق الجبل ومع طريق واضح تصعد معه السيارات صعدنا وعندما اقتربنا من قمته اعترض طريقنا حاجز حجري صلب بارتفاع المتر ناتج من جرف السيول للتربة فاضطررنا إلى العودة وكان الطريق الصاعد يمر عبر مرتفع ضيق يقع بين منخفضين سحيقين، وأثناء العودة إلى الخلف لانت التربة تحت عجلة السيارة الخلفية اليسرى، وكلما حركنا سيارتنا مالت باتجاه المنخفض العميق؛ لكون تربة هذا الجبل رخوة شبيهة بالجص، وقد استعملنا ما معنا من وسائل تستخدم لمثل هذه الحالة إلا أن السيارة مالت أكثر بحيث لو حركناها لانقلبت في هذا المنحدر العميق فآثرنا السلامة واستسلمنا للأمر الواقع. كان استسلامنا بعد حلول الظلام وبما أن المكان لا يتسع لجلوسنا بجانب سيارتنا فقد عمدنا إلى دحرجة فرشنا إلى سفح الجبل وتناولنا من داخل السيارة ما نحتاج اليه من لوازم المبيت وبعد نزولنا نصبنا الذراء حتى يمنع عنها هبوب الشمال الباردة. بعد استقرارنا فكرنا بما يجب عمله. كانت الأرض التي مررنا بها خالية من السكان وأقرب بلدة يمكن الوصول اليها تبعد عنا شرقاً ثلاثين كيلاً والاتصال الهاتفي مفقود وعندما لجأت إلى الهاتف الخلوي كانت بطاريته على وشك النفاد فصعدت إلى السيارة المائلة عسى أن تسمح لي بشحن البطارية. من حسن الحظ أن هذا الهاتف كان جيد الاتصال هذه الليلة خلاف عادته فبادرت بالاتصال بدارة الملك عبدالعزيز في الرياض لاشعارهم بهذا المأزق الحرج الذي وقعنا فيه، وقد زودتهم باحداثية الموقع وأننا بحاجة إلى من يساعدنا على انزال سيارتنا العالقة في صدر الجبل. وقد اهتم الدكتور فهد السماري ونائبه الدكتور ناصر الجهيمي وزملاؤهم في إدارة البحوث بأمرنا، ومن حسن الحظ أن الاتصال تم بهم بعد المغرب وقت الدوام المسائي، ولم أمكث سوى نصف ساعة حتى اتصل بي الدكتور ناصر الجهني وأفادني انهم اتصلوا بامارة المنطقة الشرقية وزودهم برقم الهاتف واحداثية الموقع، وأضاف قائلاً: بأن الامارة أبلغت الدفاع المدني في المنطقة الشرقية، وأن مدير الدفاع المدني سيتصل بكم. عند ذلك اطمأنَّنا وشربنا القهوة وتناولنا طعام العشاء الذي هو عبارة عن الغداء والعشاء. بعد ذلك اتصل بنا مدير الدفاع المدني وأفادنا بأنهم مهتمون وأن قائد الطائرة المكلف بالمهمة سيتصل بنا، وبعد برهة اتصل قائد الطائرة وقال: بانه لا يتمكن من المجيء الينا في الليل إلا إذا كان هناك ضرورة وانه سيتوجه في الصباح الباكر إن شاء الله فشكرناه، مع أننا لسنا في حالة خطر حتى يلجأ إلى الطائرة وانما حاجتنا في فرقة من رجال الدفاع المدني بصحبتهم رافعة تنتشل سيارتنا من هذا الجرف المنهار. وبعد ساعة من مكالمة قائد الطائرة اتصل بنا الضابط المناوب في مركز الدفاع المدني بالنعيرية ووكيل رقيب «فيصل بن راكان العجمي» وقال: انني عمدت بالتوجه اليكم ومعي احداثية الموقع ونظراً لبعد المسافة وكون الطريق ترابياً فيه مرتفعات ومنخفضات فأقدر وصولي لكم بعد ساعة ونصف الساعة إن شاء الله. وفي تمام الساعة الثانية عشرة ليلاً وصلوا الينا وهم أربعة رجال: 1 - وكيل رقيب: فيصل بن راكان العجمي. 2 - وكيل رقيب: محمد بن منصور الذويب. 3 - العريف: فيصل بن علي العجمي. 4 - الجندي أول: صالح بن عبدالله الفراج. وفور وصولهم حاولوا سحب السيارة من جهة الامام ففشلت المحاولة فقرروا سحبها من الخلف فتأبت عليهم وازداد ميلها جهة المنحدر السحيق. لقد أدرك الرجال خطورة الموقف فتداولوا الرأي فيما بينهم واتخذوا قراراً جريئاً وهو أن يحفروا للعجلة اليمنى حفراً بطولة قرابة نصف متر وعمق ثلاثين سنتيمتراً ويسحبوا السيارة حتى تنزل العجلة في هذه الحفرة، وعلى الفور شمروا عن سواعدهم وبدأوا يحفرون ثم سحبوا السيارة حتى استقرت العجلة في الحفر إلا ان السيارة مازالت مائلة جهة المنحدر ثم كرروا هذه العملية مرة اخرى وفي المرة الثالثة أصبحت العجلة الأمامية اليسرى معلقة في الهواء إلا ان السيارة بدأت تستعدل، وفي المرة الأخيرة كان الحفر أطول وأعمق لأنهم قدروا انها المحاولة الأخيرة، وقد صدق تقديرهم فبعد سحب السيارة بالسيارة الاخرى وصلت العجلة الأمامية إلى الأرض فانعتقت سيارتنا من هذا الوضع الحرج الذي أوقعتنا فيه أو نحن أوقعناها فيه. وسوف لن نغتر مرة اخرى بقول الشاعر الشابي: ومن لا يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر وكان بودي أن الشابي أضاف بيتاً يفيد مراعاة الحذر. لقد استمرت عملية انزال سيارتنا إلى سفح الجبل من الساعة الثانية عشرة حتى الساعة الثانية والنصف ليلاً. وكان لنا جلسة مع هؤلاء الرجال الأبطال وقد شكرناهم على ما بذلوه من جهد في تلك الليلة الشاتية، وودعناهم بعد أن طمأنوا مرجعهم بانتهاء المهمة على خير مايرام، أما نحن فقد بتنا في سفح الجبل لكي نكمل بقية بحثنا في تلك الناحية. ولا يسعني إلا أن أشكر امارة المنطقة الشرقية والدفاع المدني فيها على هذه المبادرة الاسعافية، كما أشكر للمسؤولين بدارة الملك عبدالعزيز اهتمامهم فور تلقيهم الخبر، والشكر مكرر لهؤلاء الرجال الأربعة من رجال الدفاع المدني أكثر الله من أمثالهم. مما تقدم يبدو أن مهر وصال ليلانا «الجرها» غال ودونه خرط القتاد، ولكن ما حصل لن يثنينا عن مواصلة تتبع جواد الطرق الموصلة اليها حتى نمسك بحلقة بوابتها إن شاء الله. وهنا أكرر ما سبق أن قلته بأن مثل هذه الأمور تحتاج إلى عمل جماعي ولذا أنتهزها فرصة لتوجيه الدعوة لمن يرغب من متخصصي الآثار عندنا وخصوصاً منسوبي وكالة الآثار أو قسم الآثار بجامعة الملك سعود المشاركة في بقية اجزاء الطرق التي قدرت انها متهجة إلى «الجرها» حيث قررت اكمال هذه المهمة خلال الربيع القادم إن شاء الله. وأعد من سيصحبني في المرات القادمة بأن نتهيب صعود الجبال وأن يسبق ذلك الحيطة والحذر فالمثل يقول: (ما كل مرة تسلم الجرَّة). وفي اليوم التالي لتلك الليلة الليلاء كنا نصعد مرتفعاً جبلياً واقعاً على الطريق المسمى حالياً «درب الكنهري» وهو لا يبعد كثيراً عن مجال «درب البرثاوي» وقد وجدنا فوق هذا المرتفع أوجاماً ضخمة وهي من كثرتها تجعل الإنسان يحتار في أمرها انها بالفعل أعمال جبارة. إن من بينها ركماً عالياً ارتفاعه قرابة خمسة أمتار، ان هذه الركامات الهائلة بحاجة إلى دراسة جادة ومتأنية. وكأن بالشاعر الطرماح يعني مثل هذه الصُّوى والأوجام حين قال: ترى أضواءه متجاورات على الأشراف كالرفق العزين بمنخرق تحن الريح فيه حنين الجلد في البلد السنين هذا غيض من فيض؛ لأن في الجعبة الشيء الكثير عن هذا الموضوع، وأمثاله وأقولها بصراحة: إن تحقيق أماكننا التاريخية الغامضة لا سبيل إلى تحقيقها إلا عن طريق البحث الميداني؛ أما تدبيج البحوث والمقالات من داخل مكاتبنا فهذا لن يجدي شيئاً وانما يزيد رفوف المكتبات ولا شيء غير هذا، والله من وراء القصد.