لقد كان الإعلان عن عقد المؤسسة العامة للخطوط الحديدية مؤتمراً في لندن في يناير 2005م لاطلاع الجهات المهتمة بمشروع الجسر البري بشرى طال انتظارها (الجسر عبارة عن خط حديدي بطول 950 كم يصل بين مدينتي جدةوالرياض ويتصل بالشبكة القائمة في الرياض، وخط حديدي آخر بطول 115 كم بين مدينتي الدمام والجبيل). ويبدو ان المؤسسة شغلت بنتائج المؤتمر اللندني عن قطارها، الذي ما زال باقياً على رحلاته المعدودة وعرباته المكدودة، هذا على الرغم من ان مباني المحطات في كل من الرياض والهفوف والدمام رائعة جميلة، لكن آلية حجز التذاكر بطيئة هزيلة. فالحجوزات التي تتم باستخدام الحاسب الآلي، لم تقض على ظاهرة الطوابير، فيقف الراكب بشباك التذاكر أحياناً في انتظار الفرج كالأسير. تعجبني في محطات القطار أرضيتها الرخام وواجهاتها الحجرية، وأبوبها الاوتوماتيكية، واستراحاتها ذات الحيطان الزجاجية وملابس مأموريها اليوني فورم والنداء الأخير على الرحلات والذي يوحي لك بأنك على متن إحدى طائرات الخطوط الجوية العربية السعودية، لكن معاملة بعض العاملين تذكرني ب «قضبان» السكة الحديدية. ولا أدري لماذا تسوء معاملة المأمورين للركاب في العيد، فقبل عام أتيت مأمور الشحن بالتحديد، وكأنه في ذلك الصباح كان غضبان، وعندما طلبت شحن الحقائب ثار كالبركان، وهددني بشحن عفش أمي إلى الشرقية، فما كان مني إلاّ ان شجبت واستنكرت هذه الترهات غير المنطقية، ثم ما لبثت ان استغفرت وطلبت منه السماح وان يرسل حقائب الطيبة إلى الأحساء، فلما هذه البيروقراطية؟ في هذا العيد كانت «عيدية» المؤسسة للمسافرين خطيرة، فالشحن فقط للحقائب الكبيرة، والباقي من وجهة نظر المأمور خفيف يمكن حمله كالفطيرة. لقد كان الموظفان يصرخان بالمسافرين وينهرانهم كما يفعل الآباء مع الأطفال الأشقياء، فلا مجال للنقاش والحوار حجتهما في ذلك النظام، المعلق في لوحة على أحد جدران مكتب العفش. فشلت محاولاتي في اقناعهما بأن من سيسافر من أسرتي أربع سيدات.أمي وثلاث شقيقات. ٭ أمي يا أخي سيدة كبيرة، وحقائبها وشقيقاتي كثيرة. ٭ هذا يا هذا النظام.. ترغب في السفر أو عليك السلام.. هذا آخر كلام. قعدت بعربة الحقائب إلى أمي وأنا حزين وخائب، فلابد من حمل العفش، ما هذه المصائب. في ذلك الحين قررت مرافقتهن إلى الدرجة الأولى لشحن عفشهن، وبعد عناء تم توزيعهن على أربعة مقاعد والعفش على الرفوف فوق رؤوسهن قاعد. مسكينة أمي وصلت إلى مقعدها بعد حين لابد ان السكر لديها ارتفع، لعلها تشعر في الركبتين بألم ووجع. ودعتهن وعدت أدراجي في هذه المسرحية الدرامية والكوميدية أفكر، فاستوقفني مأمور التذاكر بالمحطة بعبوس معكر: ٭ إلى أين يا أبا الشباب ألن تسافر؟ قالها وكأنه يكيل لي السباب بأسلوب سافر. ٭ ضحكت بألم وكأني متهم، رباه ما هذا السؤال الا يعلم ان «عيدية» المؤسسة للمسافرين خطيرة فالشحن فقط للحقائب الكبيرة، والباقي من وجهة نظرها خفيف يمكن حمله كالفطيرة. ضحكت في وجهه بألم لا يا سيدي المحترم. عندما هاتفتني إحدى شقيقاتي لتخبرني عن وصولهن وعن معاناتهن في سفرهن. وكيف أنها اضطرت لتصعد على المقاعد حيث كن يجلسن لانزال الحقائب، فهل ترى المؤسسة ان هذا تصرف صائب. ولكي تزدادوا حسرة على أحوال قطارنا تعالوا نقف بإحدى محطات القطار الأوروبي. فمجموعة القطارات الأوروبية هي عبارة عن شركة تملك معظم أسهمها الخطوط الحديدية الفرنسية والخطوط الحديدية السويسرية، وهي تمثل 30 سكة حديد أوروبية، وتصل خدماتها إلى 35 دولة من بينها: النمسا، بلجيكا، بلغاريا، بريطانيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، أثينا، هنغاريا، ايرلندا، إيطاليا، هولندا، النرويج، البرتغال، رومانيا، سويسرا، السويد، الدنمارك، أسبانيا، كرواتيا، سولفانيا، صربيا، تركيا. ويقدم القطار الأوروبي خدمات مختلفة وعروضاً خاصة بأسعار منافسة، تضع بين يدي الركاب خيارات سفر متعددة، فعلى سبيل المثال: يعبر قطار ايوريل باس ب (17) دولة أوروبية، ويمر قطار البلغان فيلكس باس عبر بلغاريا، اثينا، مقدونيا، رومانيا، تركيا، صربيا، مونتينيجرو. هذا فضلاً عن وجود لوازم الرحلات ومن ذلك: أدلة وخرائط السفر، ومراكز تحويل العملة، وعروض البرامج السياحية التي تتضمن الحجز على الفنادق، وتأجير السيارات، وعروض التخفيضات لكبار السن «مثل أمي»، والحجز بالإنترنت. ٭٭ إلى سكة الحديد: حديدكم تحفة مكانها الآثار.. لقد طالعتنا الأخبار.. آن في اليابان قطار.. يدعى «الطلقة» يسير كالنار.. لا فوضى لا انتظار.. لا عبوس لا غبار.. فهلا ركنتم القطار.