الوقت والزمن والدقائق والعمر، ليس لأي واحدة منها محل اهتمام عند صاحب الفراغ ولا قيمة تقدر عند ذي الفكر المتشتت تمضي به الايام لتشرد به الاحلام بعيداً عن الانام ثم يرجع لحاله ليرى ان حلمه كان هباءً منثورا، يجري وراء السراب، يحاول معانقة السحاب، يحلم بأن يكون له مهاب، ليصل الى صحراء قاحلة ليس فيها ماء ولا نبات. ذاك الذي صرف وقته في امور منوعة، بأفكار متشتتة، لايدري ما الهدف، ولايعلم ما العاقبة، في هواجس وكوابيس، وضيق واكتئاب، او تجده في حزن وازيز، يمر عليه الزمن، ولايجد من احلامه سوى كلمة (سراب)! معيشة يزاولها الكثير، حتى صاحب الخلق الرفيع، والقلب المطيع، ذو الالتزام ومحل الاحترام، يرقب تحقيق حلم معين وهو لايعد له، ويأمل تحصل علم معين وهو لا يداوم له. لاتحسبن المجد تمراً انت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا ولا تظن العلا عنباً سهل القطف،ولاتحسب المواهب كشرب العصائر، ولاتفكر ابداً في اشياء يستحيل على ذوي القدرات تحصيله. هذا حاله ومنهجه، تجلس معه فيخبرك بأنه في ضيق واكتئاب، يشعر بفراغ عجيب ليس له نهاية، واذا سألته: هل لديك مواهب وطاقات معينة تشغل وقتك بها؟ لأجابك «نعم»، فترد عليه: هل تصرفها في البر، هل توجهها للمكان الصحيح، او تنميها وتفعلها؟ هل تحاول السمو بها لتصبح يوما علماً يحتذى بك، او قدوة ينتفع بك، لأجابك بكل براءة «لا»! هذا هو الفراغ، صاحبه نهايته بائسة، اذا استمر عليه فسيصرف وقته في الحرام، لان الشيطان سيسهله عليه بعدما كان غير قادر على تنمية قدراته، ولأنه كذلك يبحث عن اسعاد قلبه واذهاب همه،ويصبح عند ذلك مشغولاً الفراغ. يوجه طاقاته التي كان يحلم ان تكون لأجل سمو المعالي ولأجل معانقة السحاب بعد صعود مدرج القمم، يوجهها الى قيعان الفساد وانفاق الرماد، فيتحول القلب الصالح الى قلب المنتكس، وكل هذا بسبب الفراغ. ولكن كلمة (فراغ) قاصرة هنا، اذ امتزجت بعبارة طالما وجدناها في قلوب المكتئبين، وطالما عشناها مع من يبحث عن السعادة، حتى وجدناهم ذوي اركان خاملة واصحاب عقول قاصرة على الامور المعيشية فقط، وقلما رأيناها في اولئك الاعلام المعلمين، ذوي الابداع والتجديد والتأليف والتربية، انها «لطاقات المهدرة».