أضاعت مفاتيح رغبتها أنثى وحيدة تصارع سوط الخريف بكفين عاريتين من الحظ والأهل والأصدقاء الخريف الذي ظل يسطو على شجر خبأته بعيداً عن العابرين كم تخاف من الأمس من حُلم لا يعودُ إلى نومها مرتين، كلما سيّجتْ بقليل اليدين فراشات فجر يلوح لها راح كفُّ الغياب يُبدّد أطيافها في المهبّ لم تعد تكترث لارتحال الحساسين عن ليل شُرفتها علمتها الحياة بأن تنثني عن مباهج فتنتها باكراً بألا تمد يديها الى ثمر ناضج في غُصون الجسد بألا تحاول ايقاظَ رِعشتها في انحدار المساء، أضاعت مفاتيحَ رغبتها في تُخُوم انتظار تُمنّي به طائراً راح ينزفُ من روحها بعينين خاليتين من الدِّفء والحبِّ والأمنيات تظلُّ تُجدّف نهر فراغٍ يُطوّقُ وحدتها في الهزيع الأخير، طواعيةً أسلمت نفسها لاعتلال التغرُّبِ دونَ التفاتٍ لنايٍ يُهدهدُ جمرَ حرائقها من بعيد ليلٌ طويلٌ يمرُّ على صمت عُزلتها المعدني والعذاباتُ شاخصةٌ في مرايا تُظلُّ على حُلمها بانهمار، ليس ثَمّةَ معنى صريحٌ لهذا الصُداع المراوح في رأسِها فالخريفُ انقضى وصباحُ الفراشات أوشكَ أن يستردَّ خُطاهُ الى ضِفّة في أقاصي الهديل، وليس هُنالك ما يمنعُ النهرَ أن يقتفي دربَ خِلخالها في السهول القريبة! هل لها أن تُعاودَ رغبتها في امتداح جفونِ البعيد؟ هل لها أن تخيطَ من الشمس شالاً لبردِ أُنوثتِها من صباحٍ جديد؟ عُزلة الطير في ريشه نساءٌ من الغَيْبِ، كيفَ هبطنَ على ليلِ تموزَ دون امتثالٍ لحُلمٍ بهيجٍ يَرِفُّ على سِدْرَةِ الحُزنِ في نومِهِ! وجهُ المساءِ المريضِ يُبَدِّدُ معنَى السؤالِ بمحضِ إرادتِهِ، والجدارُ الذي لا يكفُّ عن الصمتِ ليسَ لهُ أَنْ يُقاومَ رغبتَهُ في الصراخِ الأَخير وقتٌ طويلٌ يمرُّ على عُزلةِ الطيرِ في ريشِهِ والفراشاتُ تنأَى وتدنو من اللهبِ المُستبِدِّ بأَهدابِ غفوتِهِ في الهزيع، لم يكُنْ مُولعاً بالتغرُّبِ في أَولِ العُمرِ لكنّهُ الآنَ يُفْرِطُ في شُربِ خيبتِهِ من جديد! النساءُ اللواتي ابتسمنَ لهُ في ربيع من الأمسِ عُدنَ الى روحِهِ وَتَراً خافِتاً، مَضينَ يُؤلبنَ توقاً سحيقاً من العطشِ المتناسلِ في صمتِهِ، لم يُردْنَ اقتسامَ عذاباتِهِ حين بِتنَ على غُصنِ شُرفَتِهِ قمراً حانياً بل أدرنَ كؤوسَ السحابِ على رجفةٍ تتقافزُ من بينِ أضلاعِهِ لهُ سببٌ واضحٌ حين يهذي بأسمائِهنّ طويلاً على مسمعٍ من جُفونِ الغيابْ لهُ في انتظارِ يماماتِ أَوهامِهِ فُرصةٌ للعثورِ على ظِلِّه في كُفوفِ السرابْ وَحدَهُ كان يعلمُ أّنَّ العيونَ التي أوجعتْ قَلْبَهُ ذاتَ يومٍ وفرّتْ إلى كُحْلِهَا في الأقَاصي ... تُسمَّى العذابْ! * قصيدتان من ديوان جديد بعنوان «مطمئناً على الحافة» الصادر عن دار الكوكب.