تتسابق مواقع الشبكة العنكبوتية في هذه الأيام لنقل الأخبار-أياً كان نوعها- حيث أصبحت سبباً في تجارة رابحة لما تسببه هذه الأخبار من ازدياد لعدد المتصفحين لهذه المواقع ومن ثم تكون هذه المواقع وجهةً للتجار ليعرضوا بضائعهم على المتصفحين فيها وكلما ازداد عدد المتصفحين للموقع زاد سيلان لعاب التاجر ليظفر بزاوية في هذا الموقع ليعرض فيها بضاعته وتتفاوت هذه المواقع في صدقية عرضها للأخبار فمنها: الشديد في التثبت وتحري دقة الأخبار امتثالاً لأمر الله عزوجل \"ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَٰدِمِينَ\"، قرأ حمزة والكسائي: \"فتثبَّتوا\" وقوله تعالى\"ولاتقف ماليس لك به علم\" وأمررسوله صلى الله عليه وسلم في قوله:\"كفى بالمرءإثماً أن يحدث بكل ماسمع \" ومن ثم خوفاً من سقوط مصداقيته ، ومن المواقع: المتوسط في التثبت مفسراً \"سددوا وقاربوا \"تفسيراً خاطئاً فإن حكم الكذب واحد-فلا أبيض فيه أو أسود –بل هو محرم كله، ومن هذه المواقع:حاطب ليل ليس همه إلا الظفر بالخبر -عياذاً بالله- ليحقق الربح الدنيوي -غافلاً عما سبق ذكره-وهذه المواقع – لا كثرها الله-للأسف كثيرة ومجاهيلها لايحصون- كثرة –وإذا أمعنا النظر في مجاهيلها وإذا الخير منهم قليل -إن وجد- وشرهم طال القريب والبعيد ولقد تسابقت مواقع الإنترنت في الأيام الماضية لنشر خبر- بل أكثر من خبر- توهمته سبقا وهو كذلك لكن في منظور من لم يتفقه في دين الله عز وجل ويعرف المنهج الإسلامي في تلقي الأخبار وخصوصاً فيما يتعلق بالأعراض وأما من كان متفقهاً في دين الله فإن هذا الخبر سبقٌ له من جانب تطبيقه لأحكام إلاهية نزلت بآيات تتلى إلى يوم القيامة كان سسب نزولها- كما هومعلوم- حادثة الإفك، تلك الشائعة التي طعنت في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي هزت بيت النبوة شهراً كاملاً، بل هزت المدينة كلها، بل هزت المسلمين كلهم، هذا الحادث، الذي كلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية كلها آلاماً لا تطاق، وكلف الأمة المسلمة كلها أن تمر بأشق التجارب في تاريخها الطويل، وعلق قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلب زوجه عائشة التي يحبها، وقلب أبي بكر الصديق وزوجه وقلب صفوان بن المعطل شهراً كاملاً، علقها بحبال الشك والقلق والألم الذي لا يطاق فلسنا مبالغين أيها الأخوة، إذا قلنا أن ما واجهه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإفك هو حدث الأحداث في تاريخه عليه الصلاة والسلام، فلم يُمكر بالمسلمين مكر أشد من تلك الإشاعة، وهي مجرد إشاعة مختلقة بين الله تعالى كذبها، ولولا عناية الله عز وجل، لكانت قادرة على أن تعصف بالأخضر واليابس، ولا تُبقي على نفس مستقرة مطمئنة، ولقد مكث مجتمع المدينة بأكمله شهراً كاملاً، وهو يصطلى بنار تلك الإشاعة، ويتعذب ضميره وتعصره الإشاعة الهوجاء، حتى نزل الوحي ليضع حداً لتلك المأساة الفظيعة، وليكون درساً تربوياً رائعاً لذلك المجتمع، ولكل مجتمع مسلم إلى قيام الساعة. وما أكثر الإشاعات التي تطلق في أوساطنا ونسمعها هذه الأيام، إشاعات مقصودة، وإشاعات غير مقصودة، فلا يكاد يشرق شمس يوم جديد إلا وتسمع بإشاعة في البلد،من هناوهناك.-ومنها ماذكرته آنفاً مما يحصل هذه الأيام من إشاعة تُهَمٍ لبعض الشخصيات – غفل مطلقها إن أحسنا به الظن عن آثارها المدمرة فكم أقلقت من بريء،وكم حطمت من عظيم، وكم هدمت من وشيجة، وكم تسببت في جريمة، وكم فككت من علاقة وصداقة، وكم هزمت من جيش، وكم أخرت الإشاعة في سير أقوام. إن المنهج الإسلامي في التعامل مع الشائعات والمستبط من حادثة الإفك يتمثل بأن يحسن المسلم الظن بأخيه امتثالاً لقوله تعالى \" لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً\" ثم يطلب المسلم الدليل البرهاني على أيّة إشاعة يسمعها امتثالاً لقوله تعالى\" لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء\" ممتنعاً عن التحدث به-أصلاً- طاعة لمولاه في قوله \" ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا\" راداً الأمر إلى أولي الأمر – لكونه غير معني به- لقوله تعالى \" وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً\" فإذا تعامل المجتمع مع الشائعات بهذه الطريقة سلم من آثارها المدمرة. ولنحذر أيها الإخوة من إساءة الظن بإخواننا المسلمين فالله عز وجل يقول: \"يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ ٱلظَّنّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنّ إِثْمٌ\"، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث)) ولنحذر أيضاً من التجسس والتحسس -وهما البحث عن عيوب الناس- فقد قال الصادق المصدوق: \".....ولاتحسسوا ولاتجسسوا..\" ولقد قال صلى الله عليه وسلم مرهّباً من تتبع عورات المسلمين\"يا معشر من آمن بلسانه و لم يدخل الإيمان قلبه ! لا تغتابوا المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته و من تتبع الله عورته يفضحه و لو في جوف بيته\" . فالواجب علينا أيها الفضلاء التثبت من الأخبار وإن كانت طعناً في عرضٍ أحسنّا الظن وكذبنا وذببنا عن العرض فلقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم :\" من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة\" ولاينبغي لنا أن نتهاون في أمر قال الله عزوجل فيه \"وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم \"وقال فيه أيضاً\"ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم \" فهذا منهج المسلم وهو الحري بكل منا أن يتبعه وليعلم –أيضاً-أن من أعظم أخطار الخوض في الأعراض أيضاً - إظافةلما تقدم- شيوع الفاحشة في المجتمع المسلم، وقد توعد الله-سبحانه- محبي شيوع الفاحشة في المجتمع المسلم بقوله :\" إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون\" أيها الإخوة :أن مما يأسف له كل مسلم بل ويحزن أنك تشم رائحة التشفي في أثناء نقل الأخبار المتعلقة بالأعراض كما هو الحاصل من بعض من نقل هذه الأخبار فهذا قد جمع بين الحشف وسوء كيله فلم يكتف بمخالفة المنهج الرباني في التعامل مع هذه الأحداث بل أضاف إلى ذلك التشفي الذي يعد من رذيل الأخلاق ولقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه واثلة بن الأسقع:\"لاتظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك\" رواه الترمذي وقال حديث حسن، وهذا بن سيرين رحمه الله لما ركبه الدَّيْن وحُبس به يقول : ( إني أعرف الذنب الذي أصابني هذا عيَّرت رجلاً منذ أربعين سنة فقلت له : يا مفلس ) ، وقد تقرر هذا الأمر عند جميع الناس أي:- ابتلاء مظهري الشماتة بعيب من شمتوا به- بعدد من التجارب التي مرت عليهم ،،،،وأخيرً وليس آخراً فإني أؤكد – إخوتي- على وجوب اقتفاء المنهج الصحيح في تلقي الأخبار وسؤال الله العافية وعدم نشر الزلات – حتى وإن ثبتت فذاك غيبة- وعدم الفرح بها سائلا الله عزوجل أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وأن يسترنا بستره في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على خير البشر محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وكتبه : خالد بن ناصر العلي [email protected]