على رغم تضافر النصوص الشرعية المانعة من تتبع عورات الناس وإن لم يكونوا مسلمين، باعتبار أن الشرع يقوم على حفظ الأعراض ويمنع النيل منها والتطاول عليها، إلا أن إجراءات بعض المؤسسات ذات الصبغة الدينية بحسب البعض تتعارض مع هذه المبادئ، مغفلة الآداب الشرعية، ومنها كراهية دخول الرجل على أهل بيته ليلاً إن قدم من السفر، والنصوص الصريحة بوعيد يتهدد من تتبع عورة مسلم بعقوبة فضحه داخل بيته. وعلى رغم ما ورد على لسان الناطق الرسمي باسم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبدالمحسن بن عبدالرحمن القفاري من أن المجتمع فهم موضوع نصب كاميرات لرصد المتسوقين من دون استيعاب، إلا أن هناك من يعد على أن مبدأ رصد الناس والتجسس عليهم من أصله مخالف لما تدعو له الهيئة من الاحتكام إلى الشرع المؤكد على حرمة العورات والناهي عن انتهاك خصوصيات المجتمع. ويرى التربوي عبدالحكيم قرامي أن القرآن نصّ بصريحه على الرقابة الذاتية والداخلية لكل فرد، بقدر ما تحفّظ على رقابة الخارج، من ذلك «تحديد شهود الزنا بأربعة، ومنع الاستناد إلى الريب في الحكم»، داعياً الهيئة إلى اعتماد قاعدة نفي الحد بالشبهة ما أمكن. فيما طالب المستشار القانوني عون الغامدي رجال الحسبة بالتريث في تركيب كاميرات الرصد والتجسس، ومراجعة وسائلهم عند أداء هذه الشعيرة، وعدم الغلو في استخدام الوسائل والآليات، محذّراً من التغافل عن مبدأ الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة التي «تبني المجتمع المسلم وترسخ الدين في نفوس أبنائه، وهي التي ينبغي التركيز عليها»، مشيراً إلى أن الدين وتعاليمه والعمل به يؤخذ كله وما الحسبة إلا بعضه. فيما أبدى الداعية سعيد الشهري دهشته من الاكتفاء بسوء الظن دليلاً على وجود المنكر ووجوب إزالته، لافتاً إلى أن سوء الظن ظاهرة خطرة تفضي إلى نزع الثقة وتبادل التهم المجانية، ما يدفع الناس للتربص ببعضهم وتخوين الثقات منهم، بناء على التخرصات والظنون، واصفاً الحريص على رصد الزلات بالإنسان المريض، المخالف للنصوص المحرّمة للتجسس والغيبة والنميمة، الناتجة من سوء الظن. ويذهب المحامي عبدالمجيد الغامدي إلى أن الإسلام نهى عن سوء الظن بقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم» وما ظنون الرذيلة والفساد إلا من البعض المؤثم، مضيفاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلى حرمة الإنسان على حرمة الكعبة خصوصاً المؤمن، إذ قال وهو يطوف بالكعبة: «ما أطيبك، وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفسي بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك، ماله ودمه وأن يظن به إلا خيراً». وناشد الغامدي رجال الحسبة العدول عن فكرة الكاميرات لأنها ستكشف ما أمر الله بستره، مبرراً فكرته بأن رجال الحسبة يعوّلون على الكاميرات في إدانة المتهمين، ليخرجوا من المؤاخذة ويسلموا من نقد المجتمع لهم، خصوصاً في ظل تزايد حوادث التجاوزات، مشيراً إلى أن أول خطوة في التجسس تنطلق من الظن السيئ، وتتدرج صعوداً إلى السعي وراء التحقق منه، وهذا معارض لقول الرسول الكريم: «إذا ظننت فلا تحقق» وقوله: «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم».