قصة نجاح القمة الرابعة قصة حديث عربي - لاتيني طويل طول المسافة بين الدول العربية والدول الأميركية اللاتينية. ويمكن لهذه القصة أن تتطور لتصبح نسيجا متماسكا يفرض وجوده على الساحة الدولية. اختتمت القمة الرابعة لمجموعة الدول العربية ودول أميركا اللاتينية في الرياض يوم الأربعاء الماضي. ولعل من نافلة القول أن أكثر التجمعات السياسية نجاحًا هي التجمعات العربية - الأميركية اللاتينية، وذلك لأسباب كثيرة منها: الخلفية التاريخية المشتركة، والتقارب والتشابه في التنمية، والمزاج النفسي المتأثر بمشتركات لغوية. يبلغ عدد سكان أميركا اللاتينية من أصول عربية حوالي أربعين مليونا. صحيح أن الهجرات العربية اتجهت إلى بلدان أميركا اللاتينية منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، لكن هناك اشارات تاريخية شبه مؤكدة أن أول هجرة عربية إلى تلك الديار كانت في القرن الخامس عشر الميلادي. لا مراء أن الأثر العربي قد طبع الوجود الإسباني في بداية استكشافه للقارة الأميركية الجنوبية. ولا تزال بعض الفنون خصوصًا الفلكلورية واللباس وأنواع طبخات الأكل الأندلسية حاضرة بقوة في تراث تلك البلدان. وبجانب الأثر العربي الذي نقله المهاجرون العرب إلى بلدان أميركا الجنوبية، يوجد أثر آخر لا يقل أهمية وهو تأثر السكان الناطقين بالإسبانية والبرتغالية بدراسات وبحوث المستشرقين الإسبان والبرتغاليين. والمعروف أن الدراسات العربية ومنها اللغة والدين الإسلامي ونشر التراث العربي وترجمته بدأت في إسبانيا في وقت مبكر عنما أنشأت جامعة سلمنكة Salamanca كرسي اللغة العربية عام 1227 ثم تبعتها الجامعات الإسبانية وعددها يربو على إحدى عشرة جامعة. وكان للملك كارلوس الثالث (ت 1788) دور في توسيع المكتبة الملكية ونظم مكتبة دير الأسكوريال، وجعل من اتقان اللغة العربية شرطا لترقية موظفيها، واستقطب رهبانا موارنة من لبنان، وشجع على نشر التراث العربي وترجمته إلى الإسبانية. ومثل هذا حدث في البرتغال التي بدأت بنشر اللغة العربية وتراثها. وفي عام 1290 أنشأت جامعة لشبونة وكانت اللغة العربية مقررة إلزامية لكل الدارسين. وفيما بعد حذت الجامعات البرتغالية حذو جامعة لشبونة. وقد انتقل التراث العربي والاهتمام بالعربية إلى قارة أميركا الجنوبية مع المستعمرين الإسبان والبرتغاليين. وفيما بعد نشطت الجامعات هناك على توثيق الصلة بالتراث العربي عن طريق الكتب والدوريات الإسبانية والبرتغالية. وهكذا تمكنت الثقافة العربية من التغلغل في تفاصيل حياة مجتمعات دول قارة أميركا الجنوبية منذ وصول أول مسلم إليها في القرن الخامس عشر الميلادي. وورد أن المستكشف الإسباني "كريستوف كولومبس" في رحلته إلى قارة أميركا الجنوبية قد اصطحب معه بعض المسلمين "الموريسكيين" الذين كانوا يعيشون في الأندلس، حيث كان يستعين بهم لتمكنهم من علوم الفلك، والملاحة، وصناعة السفن. وما يلفت انتباه الزائر وجود أكثر من 500 كلمة عربية تتردد على ألسنة المواطنين في بلدان أميركا الجنوبية في أحاديثهم اليومية. ويقول المؤرخ العالم الأرجنتيني كارلوس مولينا ماسيي (ت1964): في بداية تأسيس العالم اللاتيني كان قد مر ثمانية قرون على الوجود العربي المسلم في شبه الجزيرة الإيبيرية، قد طبعت سكان شبه الجزيرة بالجنس العربي الذي وصل منهم إلى بلادنا ما يقرب من 80%. لا يخفي قادة دول أميركا اللاتينية الدور السعودي الفعال في التقارب الثقافي بين دول المجموعتين. وهذه نقطة تُسجل للملك سلمان الذي كان منذ زمن ليس بالقصير يرى أن الثقافتين العربية والإسبانية يمكن تعزيزهما لتلعبا دورا بارزا في الحياتين السياسية والثقافية. وقد التقطت اليونيسكو تلك الفكرة وتبنت عام 1992م أول مقترح لإقامة أول حوار عربي - أميركي لاتيني، وهذا أدى إلى عقد أول مؤتمر تحضيري في البرتغال جمع الكثير من المؤرخين من الجانبين لبحث الأصول والجذور اللغوية والثقافية بين المكونين العربي واللاتيني. وبالتالي أضحى الحوار الرسمي بين المجموعة العربية والمجموعة الأميركية اللاتينية عملا واضحا. وهو الذي حمل مختصر أسبا ASPA. وقد نتج عن هذا التجمع قمم وندوات ومؤتمرات. ومن الفخر القول إن مجلة: المجلة العربية الأميركية الجنوبية تقوم بدور ريادي في الميدان الثقافي ونشرت بحوثا ودراسات وروجت لأعمال ثقافية منها: الترجمة العكسية للكتب العربية والإسبانية والبرتغالية، والمكتبة الافتراضية، والمعرض المتنقل المعروف باسم: قصة نهري الأمازون والنيل، ومعرض الصور الفوتوغرافية الموسوم بالوجود العربي في أميركا اللاتينية. قصة نجاح القمة الرابعة قصة حديث عربي - لاتيني طويل طول المسافة بين الدول العربية والدول الأميركية اللاتينية. ويمكن لهذه القصة أن تتطور لتصبح نسيجا متماسكا يفرض وجوده على الساحة الدولية. وبالمقابل يمكن للدول العربية ممثلة في جامعة الدول العربية أن تكرر هذه التجربة مع مجموعات أخرى تربطنا بها علاقات تاريخية ودينية ولغوية تجارية وإثنية. وهنا أقترح التفكير بمجموعة آسيان البالغ عدد دولها عشر دول. وهي دول تربطنا بها علاقات تاريخية قديمة لا تقل عما يربطنا بالمكون اللاتيني في أميركا الجنوبية. ولا يخالجني شك أن إعادة التجربة مع آسيان ستكون العنوان البارز في الإعلام العالمي لمدة طويلة.