غابت جريدة ليبيراسيون الفرنسية عن قرائها صبيحة يوم الثلاثاء الماضي، في أعقاب إضراب مفتوح قد يستمر طويلاً، وقد جاء هذا الاضراب نتيجة خطة تبنتها الإدارة لانقاذ الجريدة من الافلاس، وتنص الخطة على الاستغناء عن اثنين وخمسين من العاملين بالجريدة البالغ عددهم مائتين وخمسين شخصاً، هؤلاء اجتمعوا وقرروا الإضراب بالإجماع، إضراباً مفتوحاً لا يوقفه الا تراجع الإدارة عن هذا القرار. ولكن ليس أمام الإدارة من خيار آخر إلا الفصل أو التوقف. المثير في هذه الجريدة هو أنها احدى جرائد اليسار المعتدل، ولعل أكثر ما فيها إثارة هو عناوينها التي تميزها عن بقية اليوميات الفرنسية. حيث يتكفل فريق كامل بابتكار العناوين المثيرة والمبدعة كل يوم ولكل مادة تقريباً، مما يجعل من هذه الجريدة متعة للباحثين عن صيغة اخرى لما يحدث في العالم. ليس المثير فيها انها جريدة يسارية، ولكن الأكثر اثارة هو أن مؤسسها الحقيقي ليس الا جان بول سارتر ومعه رئيسها الحالي سيرج جولي أحد الأصوات الشابة التي برزت في احداث 1968م الشهيرة. وهنا نعني ليبيراسيون الحالية، وإن كان المؤرخون يرجعون تأسيسها إلى عام 1942م كإحدى جرائد المقاومة الفرنسية وقد قاومت فعلاً لسنوات طويلة، وشاركت في صياغة الوعي الاجتماعي في هذه البلاد، وكانت صوتاً من أصوات الحرية العالية في الدفاع عن القضايا الإنسانية العادلة. وعلى رأسها القضية الفلسطينية مثلاً.. لكنها بدأت تتعرض مثل غيرها من الصحف اليومية في فرنسا والعالم أجمع إلى أزمات مادية بفعل البث الفضائي المباشر والشبكة الإنترنتية وظهور عدد كبير من الصحف اليومية التي توزع مجاناً، وتنافس في مادتها ومهنيتها أعرق الصحف. لقد مات جان بول سارتر، وها هي جريدته وأحلامه توشك على الموت، وليس من منقذ يا سارتر إلا رأس المال، وقد لجأت الإدارة في بداية عام 2005م إلى رجل الأعمال والثري الشهير إدوارد دو روتشيلد. الذي أنقذها بمساهمة ضخمة بلغت عشرين مليون يورو. لكن الجريدة لم تتوقف عن الانحدار وذلك بانخفاض مبيعاتها التي وصلت إلى مائة وأربعة وستين ألف نسخة يومياً ومائة وعشرين ألف زائر لموقعها على الإنترنت. ما دفع بهذا المموّل الثري إلى أن يرفع صوته عالياً حفاظاً على رأسماله بحيث استجابت الإدارة بسرعة وقدمت خطة تضمن استعادة الجريدة للربحية والحياة بدءاً من عام 2007م. لكنها خطة تحتوي على إقالة خمسة عشر بالمائة من العاملين الذين قد لا يجدون مأوى في الصحف الاخرى التي تعاني من أزمات مماثلة قد تقودها إلى إعادة النظر ليس في برامجها وخططها وإنما في الصدور ذاته.