كما يحاول الفرد أن يختصر طريق النجاح كذلك تحاول الدول أن تختصر الوقت والتكاليف للوصول إلى الأهداف وخصوصاً في العالم الثالث حيث غياب البحث العلمي الجاد ومراكز الدراسات الموثقة، ولهذا تلجأ كثير من الدول إلى علاج النتائج دون البحث عن المسببات، مثال ذلك الاهتمام بعلاج الأمراض وتشييد المستشفيات المتخصصة التي حالما تفتتح تمتلئ خلال أيام بالمراجعين، مع أن الأفضل هو التركيز على الرعاية والوقاية منذ البداية، ومثله أن تتعامل الجهات الأمنية مع الإرهاب بالبحث عن مرتكبيه، دون البحث عن أسبابه الحقيقية ومن برمج عقل هذا الشاب حتى صار اصطياده وتجنيده سهلاً ومن خلال الشبكة العنكبوتية. قانون الحياة ثابت لا يتغير وهو أن من أراد بضاعة فليدفع ثمنها غير منقوص، ولو كانت الحلول سهلة لأخذت بها معظم الدول. وزارة الصحة بحاجة إلى مراكز أبحاث علمية تتعاون مع مراكز أبحاث مشابهة في دول متقدمة في مجال الصحة المدرسية والصحة الأولية بشكل عام فهي الأساس لصحة المجتمع في المستقبل، فمن ينتظر المريض لعلاجه هو كمن ينتظر بلاغاً بوجود حريق فيهب إلى إطفائه مع أنه كان من الممكن منع حدوث الحريق من الأصل فرحت كثيراً لقرار مجلس الوزراء قبل أسبوع بإسناد الصحة المدرسية إلى وزارة الصحة، وكانت الصحة المدرسية قبل ذلك حائرة بين وزارة التعليم ووزارة الصحة، وكل وزير يأتي يجتهد ويدلي بدلوه، فإما تحمس لها فيرصد لها المبالغ والمباني، أو تخلى عنها وأحالها إلى غيره فتصبح مهملة. وزارة الصحة هي المعنية بصحة المواطن ليس عند مراجعة المستشفيات فقط، لكن يجب أن تكون رعاية صحية أولية في المدارس والأحياء السكنية لنختصر الوقت والتكاليف ومعاناة المريض، الدول التي ركزت على الرعاية الصحية الأولية وعلى الوقاية من المرض استطاعت أن توفر الكثير من المال الذي يصرف على الأمراض المستعصية وعلى كمية الأدوية التي تصرف على المريض، وعلى سبيل المثال في بعض الدول المتقدمة أصبح تسوس الأسنان شبه معدوم بسبب العناية بالطفل منذ الصغر ومتابعته في البيت والمدرسة. قرار مجلس الوزراء الذي أسند الصحة المدرسية إلى وزارة الصحة عزز دور الوزارة في التركيز على الرعاية الصحية الأولية والعمل على منع حدوث المرض بمكافحة مسبباته، أو اكتشافه مبكراً وعلاجه، ومن المهم جداً ألا تبني الوزارة على ما هو موجود في وزارة التعليم من بقايا الصحة المدرسية فقد بدأت ضعيفة وشبه غائبة، وهنا أقترح الخطوات التالية: أولاً- التعاون بين وزارة التعليم ووزارة الصحة ركن أساسي لنجاح هذا البرنامج المهم والذي سيتضح تأثيره الإيجابي بعد سنوات، وزارة التعليم مطالبة بتسهيل مهمة وزارة الصحة وتشكيل فرق عمل تحدد أوجه التعاون وماذا يمكن أن تشارك به كل وزارة فوزارة التعليم تستطيع أن تتعاون مع وزارة الصحة في مراقبة ما يتناوله الطلبة في المدرسة من مأكولات ومشروبات خصوصا المشروبات الغازية التي تحتوي كل عبوة على كميات هائلة من السكر، واستبدالها بمشروبات مفيدة ومغذية، ومنع المأكولات السكرية والنشوية التي تسبب داء السمنة حاضنة الكثير من الأمراض. كما يجب أن تكون صحة الطالب حاضرة في تكثيف النشاط الرياضي وجعله ضمن أهم الأنشطة التي يمارسها الطالب في المدرسة. ثانياً- وزارة الصحة بحاجة إلى مراكز أبحاث علمية تتعاون مع مراكز أبحاث مشابهة في دول متقدمة في مجال الصحة المدرسية والصحة الأولية بشكل عام فهي الأساس لصحة المجتمع في المستقبل، فمن ينتظر المريض لعلاجه هو كمن ينتظر بلاغاً بوجود حريق فيهب إلى إطفائه مع أنه كان من الممكن منع حدوث الحريق من الأصل، وفي حديث لأحد أطباء العيون ذكر أن 80% من الإصابة بالعمى يمكن منعها لو تم اكتشاف المرض مبكراً وعلاجه. كما أن كثيرا من الطلبة يخفقون في تحصيلهم الدراسي بسبب ضعف النظر أو السمع أو يتأثر نموهم البدني بسبب نقص عناصر ضرورية للنمو أو بسبب الغدد أو لأسباب أخرى يصعب اكتشافها إلا بالكشف والتحليل الطبي. وفي تجربة شخصية لم نكتشف ضعف نظر ابنتي إلا في السنة الرابعة الابتدائية، ولولا حرص زميلتها التي أخبرت والدتها أن زميلتها لا ترى السبورة إلا عن قرب لما علمنا، فقد أخبرت أم زميلتها زوجتي بذلك وعند أخذها للطبيب وجدنا أنها بحاجة إلى نظارة ترى بها أفضل وتحفظ نظرها من النقص. ثالثاً- أبناؤنا وبناتنا تحاصرهم أمراض كثيرة ولكل زمن أمراضه، ففي الوقت الحاضر أصبح التدخين والمخدرات والسمنة والإدمان على الأجهزة الرقمية وحوادث الطرق من أكثر مسببات الأمراض والإعاقة في المجتمع، وبذرة المرض تبدأ في الصغر ثم تكبر ويصعب علاجها مع تقدم السن. وزارة الصحة هي المعنية بالعلاج فإن أرادت النجاح في تقليل عدد المرضى وتخفيف الأعباء الهائلة على ميزانية الدولة في المستقبل فعليها التركيز على الصحة المدرسة والرعاية الصحية الأولية التي لو طبقت بشكل صحيح لتمت محاصرة الكثير من مسببات الأمراض عن طريق الكشف والعلاج المبكر، كما أن التحدث إلى الطلبة علمياً وعن طريق مختصين في الصحة المدرسية وتحذيرهم من الثلاثي الخطر: السمنة والتدخين والمخدرات فعال وغير مكلف، فالوقاية كما نردد دائماً أفضل وأقل تكلفة من العلاج. المملكة بقيادتها الحازمة عازمة على الرفع من مستوى أداء وزارة الصحة والدليل هو ما تحظى به من دعم مالي وجلب أفضل الكفاءات من داخل المملكة ومن خارجها، لكن اليد الواحدة كما يقال لن تصفق، لذا لابد من تضافر الجهود بين مختلف الوزارات المعنية للعناية بالشباب وتحصينهم من الأمراض الجسدية والنفسية كما تحصنهم ضد التطرف بجميع أشكاله. بالأمس أطلقت وزارة التعليم برنامج فطن لتحصين الطلبة ضد التطرف بالتعاون مع وزارة الداخلية، واليوم تسعى المملكة لبناء جيل أكثر صحة بإسناد الصحة المدرسية لوزارة الصحة.