ابتعث إلى إحدى الدول المتقدمة لنيل شهادتيْ الماجستير والدكتوراه، وزنه يتجاوز المئة كيلو غرام ولا يستطيع المشي أكثر من عشر دقائق، رأى الفرق الكبير بينه وبين طلبة الدول الأخرى، يحضر إلى الجامعة بسيارته، والطلبة الآخرون يأتون مشياً أو على دراجاتهم الهوائية، عرف أنه يعاني من داء السمنة، ذهب إلى الطبيب وبدأ برنامجاً مكثفاً لاستعادة صحته، قال له الطبيب: أنت تحتضن بيئة مناسبة لكثير من الأمراض التي ستصاحبك بقية حياتك، نصحه بالإقلال من الأكل واختيار الصحي منها ومقاطعة المشروبات الغازية، وطلب منه المشي يومياً وبصورة متدرجة إلى أن يصل إلى المشي ساعة يومياً. يقول صاحبنا: لم أتوقع هذا التغيير الجذري الذي طرأ على صحتي البدنية والنفسية وانعكس على أدائي الدراسي والاجتماعي، واليوم وبعد ثلاث سنوات أنعم بوزن مثالي وصحة جيدة ولم يكن ذلك ممكناً لولا توفيق الله ثم ابتعاثي إلى دولة متقدمة عرفت فيها الفرق بين الأصحاء والمرضى. هناك الكثير من البرامج والمحطات الإذاعية والفضائية التي تهتم بالفن والتراث وحتى بالشعوذة والسحر وتفسير الأحلام، لكن من النادر أن تجد محطات تهتم بالصحة العامة. الصحة مهمة الجميع والعادات الضارة تنتشر وتزداد وتكاليف علاجها في زيادة مستمرة، والوقاية من أهم الوسائل الناجحة في مكافحة الأمراض وعلاجها نصحت أحد الزملاء بالذهاب إلى مصحة مختصة في مكافحة السمنة وعلاج الأمراض المصاحبة، أعجبته الفكرة وأضاف: ليتك ترى ما يحدث في المنطقة التي أنتمي إليها، يعيشون كارثة صحية وتنتشر فيها السمنة ويظن أكثرهم أنها صحة وعافية، تكثر فيها المناسبات الاجتماعية التي ظاهرها الكرم وباطنها البذخ والإسراف والهدر، يتناولون أكثر من وجبة لحوم في اليوم ويؤخرون العشاء الذي يؤتى به من مطابخ تفتقر للنظافة والمراقبة الصحية. وضعت وزارة الصحة شعاراً جميلاً في مستشفياتها يقول: "المريض أولاً" وهذا شعار جميل ومطلوب في كل مستشفى، لكن على مستوى الوطن وخارج المستشفيات يجب أن يكون شعارها "الصحة أولاً" وهذا يعني مكافحة أسباب حدوث المرض واكتشافه قبل استفحاله بدل انتظار المريض حتى يصل إلى المستشفى، ذلك أنه قد لا يصل إلا متأخراً وبعد أن يصبح العلاج مكلفاً ومؤلماً، ومهما حاولت الوزارة أن تغطي حاجة المواطن من العناية الطبية والأسرّة فلن تستطيع في ظل الزيادة الكبيرة في عدد السكان وانتشار السمنة والعادات الغذائية السيئة والكسل والتدخين وحوادث السيارات، هذه العوامل أصبحت تعاني منها الكثير من الدول ومنها المملكة وهي في زيادة مستمرة. وليست وزارة الصحة هي المعنية الوحيدة في مجال الصحة لكنه تضافر الجهود وهنا أسوق المقترحات الآتية: أولاً : نجح المخلصون في وزارة الصحة ومنذ سنوات في وضع وتنفيذ برامج وقائية فاعلة كتطعيم الأطفال والكشف الطبي قبل الزواج أسهمت في الحد من انتشار الأمراض الوراثية والمعدية ووفرت الكثير من الجهد والمال، فالوقاية الفاعلة تسهم في تقليل عدد المرضى وتكافح مسببات المرض، وعلاجه قبل استفحاله بدل انتظار المريض إلى أن يصل المستشفى، وعدم تفعيل الوقاية كمن يشتري المزيد من سيارات الإطفاء بسبب كثرة الحرائق دون البحث عن مسبباتها ومنعها، أو كمن يكافح البعوض دون التعامل مع البيئة التي يتكاثر فيها، صحة المواطن مهمة الجميع بدءاً من البيت والمدرسة وانتهاء بكل الوزارات المعنية، لكن وزارة الصحة هي المسؤول الأول عن الشق الوقائي وعليها تقع المسؤولية الكبرى. ثانيا: وزارة التربية والتعليم والجامعات تحتضن أثمن مقدرات الوطن وثرواته وتستطيع من خلال التعاون مع وزارة الصحة أن تفعل الشق الوقائي والعلاجي المبكر على جميع الطلبة لمكافحة السمنة والتدخين والمخدرات والوعي بمخاطر الطرق وحوادثها، والكشف المبكر على ضعف السمع والنظر الذي قد يكون من أسباب ضعف التحصيل الدراسي، وفي بعض الدول المتقدمة أصبح تسوس الأسنان شيئاً من الماضي بفضل وعي الأسرة والمدرسة ومتابعة وزارة الصحة وتكثيفها للبرامج الوقائية، والمدارس هي المكان المناسب لتنشئة جيل يتمتع بالصحة البدنية والنفسية ولزرع عادات تبقى مع الطلبة مدى الحياة بدل تلقينهم معلومات متوافرة في المراجع وبعضها لا يحتاجها إلا ذوو الاختصاص. وللجامعات دور كبير في دراسة ما يعانيه المجتمع من تحديات صحية واجتماعية، وتركيز بحوثها العلمية والميدانية على ما ينفع المجتمع لتشخيص الداء ووصف الدواء. ثالثاً: هناك وزارات وهيئات لها دور في حماية صحة المواطن وتطبيق شعار المواطن أولاً من خلال الكشف على الغذاء والدواء والهواء والمياه والمطاعم والمطابخ ودور الإيواء للتأكد من مطابقتها للمواصفات ونظافة ما تقدمه من خدمات كوزارة التجارة ووزارة الداخلية ووزارة الشؤون البلدية وهيئة الأرصاد وحماية البيئة وهيئة السياحة وهيئة الغذاء والدواء. رابعاً: شرط نجاح أي مشروع هو إشراك أفراد المجتمع وتفاعله، لذا يجب أن يكون لهم دور في الحفاظ على صحتهم وصحة البيئة، وتبنت منظمة الصحة العالمية برنامج المدن الصحية الذي طبق في أكثر من خمسين دولة وأثبت فعاليته ومساهمته في الصحة العامة، والمملكة من بين الدول التي تبنت هذا البرنامج إلا أن أهم شروط نجاحه أن يكون المشروع على رأس أولويات المسؤول الأول في وزارة الصحة، واهتمام المحافظ في كل مدينة وإشرك أفراد المجتمع في برامجه. خامساً:الإعلام من أهم وسائل نشر العادات الصحية في المجتمع ومكافحة العادات الضارة التي تسبب الأمراض وتستنزف المال كالسمنة والتدخين والمخدرات وحوادث الطرق، وهناك الكثير من البرامج والمحطات الإذاعية والفضائية التي تهتم بالفن والتراث وحتى بالشعوذة والسحر وتفسير الأحلام، لكن من النادر أن تجد محطات تهتم بالصحة العامة. الصحة مهمة الجميع والعادات الضارة تنتشر وتزداد وتكاليف علاجها في زيادة مستمرة، والوقاية من أهم الوسائل الناجحة في مكافحة الأمراض وعلاجها..