أظهر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - خلال لقاءاته الشعبية والرسمية إلى جانب أحاديثه الاعلامية، قدراً من الاهتمام المتزايد بضرورة التغيير، والانفتاح على الآخر، بما ينسجم مع التعاليم الإسلامية من جهة، وقيم وثقافة المجتمع السعودي من جهة اخرى. ويأتي هذا الاهتمام نتيجة توافر جملة من العوامل التي يرى فيها - حفظه الله - دوافع حقيقية نحو التغيير والانفتاح المسؤول، ومن ذلك: القناعة الراسخة من أن الإسلام الذي تدين به الأمة هو دين صالح لكل زمان ومكان، وأن الحفاظ على هوية الأمة وتراثها لا يلغي فكرة التطوير والتحديث للقيم والمبادئ التي تقو م عليها، ثم إن طبيعة المرحلة الحالية التي يعيشها العالم اليوم من التقارب والتحاور تفرض نفسها على أهمية استيعاب كل هذه التطورات للحاق بركب الآخرين وعدم التوقف والجمود. خادم الحرمين خلال مقابلته مع قناة «ايه.بي.سي» إلى جانب ذلك فهو يرى - حفظه الله - أن المملكة بما تمتلكه من مقومات وامكانات بشرية وفنية لا يمكن ان تنأى بنفسها بعيداً عن العالم الخارجي، كذلك يرى أن فكرة التغيير والانفتاح يجب أن تعزز الوحدة الوطنية بين أفراد المجتمع، وتعبر عن المخزون الثقافي والاجتماعي الذي يعكس شخصية المجتمع السعودي من انه مجتمع قادر على الاستجابة والمشاركة الفاعلة، بمعنى انه ليس مجتمعاً متجمداً توقف مده وتطوره. وعلى الرغم من هذه العوامل التي يرى فيها الملك عبدالله بأنها دوافع حقيقية نحو التحديث والانفتاح، الا انه يرى أن ثمة شروط يجب توافرها لتحقيق ذلك، ومن أهمها: ان لا يكون التغيير والانفتاح على حساب تعاليم الإسلام وقيمه الاصيلة، وان يكون نابعاً من الشعب السعودي دون أن يفرض عليه أحد ذلك، ثم أن يكون هذا التغيير والانفتاح بشكل متدرج دون القفز على عوامل الزمان والمكان للوصول إلى هذا الهدف بشكل متسرع. والمتابع للقاءات الملك عبدالله واحاديثه يدرك أن الرغبة في الانفتاح والتغيير نابعة من القيادة وحكومة المملكة، بمعنى أنها هي التي تسعى إلى تحقيق ذلك، بعكس دول اخرى في المنطقة تكون الرغبة في التغيير والانفتاح نابعة من الشعوب وليس الحكومات، وهذا الفارق يوضح أن رؤية الملك عبدالله للانفتاح والتغيير يجب أن تقابلها رغبة من الشعب لتقبل ذلك. وعلى الرغم من أن المملكة بقيادة الملك عبدالله مضت نحو تطبيق مبدأ الانفتاح والتغيير في عدد من القضايا والمواضيع، من أبرزها: تحديث الأنظمة، والمشاركة الشعبية، وتطبيق الحوار، وحقوق الإنسان، وغيرها، الا أن هناك قضايا حساسة مازالت تتطلب مزيداً من الحوار حولها داخل المجتمع ومن ذلك: قضايا المرأة، والتعليم، وحدود حرية الرأي، والخطاب الديني، وغيرها، حيث باتت هذه النوعية من القضايا مقياساً على مدى تقبل المجتمع للتقدم خطوة نحو الانفتاح والتغيير، أو الرجوع خطوة أخرى إلى الخلف.. بمعنى آخر أن خادم الحرمين ينظر إلى هذه القضايا على أن الشعب السعودي هو الذي يقررها، وليست الدولة، مع تهيئة مؤسسات الدولة والمناخ المناسب لافراد المجتمع لمناقشة هذه القضايا وتقديم تصوراتهم ومرئياتهم حيالها، وهو ما تحقق في كثير من لقاءات الحوار الوطني ناقشت قضايا المرأة والتعليم والخطاب الإسلامي، وما هو منتظر لمناقشة قضايا الانفتاح الآخر قريباً. رؤية الملك عبدالله تجاه الحوار الوطني اثبتت نجاحها في تعزيز الوحدة الوطنية وحيث إن ملامح الحوار داخل المجتمع حول هذه القضايا بدأت تأخذ منحنيات اخرى في التوجه، وأسلوب المناقشة، إلى جانب تخوف البعض من أن ملامسة هذه القضايا سيؤدي إلى تفاقم الاختلاف في وجهات النظر بين المؤيدين والمعارضين لها. وبناءً على ذلك وعلى الرغم من أن الحوار حول هذه القضايا مازال في بدايته، ولم يحسم بعد، إلا ان الملك عبدالله ساهم برأيه كقائد لهذه الأمة حول بعض هذه القضايا، إيماناً منه بأهمية الاتفاق لا الاختلاف بين أفراد المجتمع، وضرورة وعيهم للتصدي للمحاولات التي تسعى إلى فرض التغيير والانفتاح على المجتمع بالقوة.. بمعنى آخر هو يريد أن يوجه رسالة لشعبه أن التغيير والانفتاح يجب أن يكون نابع من أنفسنا، وأن التغيير قادم لا محالة كسنة كونية من جهة، وما يلحظه كقائد من التطورات والمستجدات الدولية من جهة اخرى. ومن أبرز القضايا التي تعبّر عن رغبة الملك عبدالله نحو التغيير والانفتاح المسؤول في المجتمع، من خلال آرائه وتوجهاته التي نُشرت في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، ما يلي: الخطاب الديني اولاً: رؤيته للخطاب الديني: عبّر الملك عبداله عن رؤيته تجاه محددات الخطاب الديني، وتوجهاته، ومستوى تأثيره، حيث أكد - حفظه الله - أن الخطاب الديني في المملكة يجب أن يكون نابعاً من الكتاب والسنة ورفض أي اجتهادات تخرج عنها، داعياً أن يتسم هذا الخطاب بالوسطية والاعتدال، والبعد عن التطرف والغلو، مع اظهار قيم العفو والتسامح، والتبشير لا التنفير في مضامين الخطاب، كما انتقد بشفافية المغالين في هذا الخطاب، ممن نصبوا أنفسهم عبر هذه المغالاة مفتين ومشرعين، مؤكداً أن الإسلام بتعاليمه السمحة ليس عباءة يرتديها أي شخص أو رمحاً يحارب به من يشاء، ويدعي انه منه واليه دون فهم متعمق لروحه السمحة والنقية. الانتخابات البلدية مشروع «التغيير» نحو المشاركة الشعبية التطرف والغلو ثانياً: رؤيته للتطرف والغلو: لم ينكر الملك عبدالله في مقابلته الأخيرة مع شبكة «أيه.بي.سي» الامريكية وجود بعض التطرف في المملكة الذي قد يؤدي للارهاب بكافة أشكاله، لكنه - حفظه الله - عبّر عن رؤيته بكل شفافية ووضوح حول هذا الموضوع بأن التطرف موجود - تقريباً - في معظم دول العالم، مستشهداً على سبيل المثال بالتطرف الموجود في الولاياتالمتحدةالامريكية حول الإسلام، متسائلاً: لماذا التركيز على المملكة فقط في ذلك؟، مؤكداً أن المسلمين ليسوا متعطشين للدماء، وأن الإسلام الذي يدينون به هو دين سلام يحرم قتل الأبرياء. التعليم ثالثاً: رؤيته للتعليم: عبّر الملك عبدالله في رؤيته للتعليم عن رغبة حقيقية في تطويره، وانفتاح مناهجه، بما ينسجم مع متطلبات العصر، كذلك رغبته في أن يكون التعليم معززاً للوحدة الوطنية، موضحاً انه تم تخفيف بعض المضامين الموجودة في المناهج الدراسية التي قد تؤدي إلى كراهية الآخر، أو التطرف والغلو، وتعد هذه المبادرة منه - حفظه الله - ايماناً بأهمية تطوير المناهج، لا سيما الدينية منها، مع التأكيد على مضمونها الذي يكرس تعاليم ومبادئ الإسلام القائمة على الوسطية والاعتدال. المجتمع السعودي مازال متردداً في حسم كثير من القضايا «الحساسة»! الحوار رابعاً: رؤيته للحوار: يؤكد الملك عبدالله أن أي حوار مثمر لابد أن ينطلق من التمسك بالعقيدة الإسلامية وتعزيز الوحدة الوطنية، إلى جانب ما يؤديه الحوار داخل المجتمع من محاربة التعصب، حيث أراد - حفظه الله - أن يبقى حوار أفراد المجتمع فيما بينهم منضبطاً من حيث التوجه، والوصول إلى الهدف، مؤكداً أنه لا يمكن الانفتاح على الآخر، والتواصل معه، إلى جانب تلمس مشاكلنا وقضايانا وايجاد الحلول لها إلاّ بإرساء ثقافة الحوار، فهو يرى أن اداة التغيير والانفتاح المسؤول في المجتمع هي الحوار. الديمقراطية خامساً: رؤيته للديمقراطية: الديمقراطية كأداة لتطبيق فكر وتوجه ما، وليست عقيدة يؤمن بها الإنسان، يرى فيها الملك عبدالله انها جزء من ايماننا الإسلامي نحو تطبيق العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان، مؤكداً في اطار اهتمامه بالتغيير والانفتاح في المجتمع خلال حديثه لصحيفة (لوموند) الفرنسية «أن المملكة ستصل إلى تطبيق الديمقراطية في أقل من عشرين سنة» موضحاً أن هذا الوقت لا يعد طويلاً في مجتمع لم يعتد أفراده على تطبيق ذلك، مستشهداً بان المجتمعات التي تحكمها الديمقراطية استغرقت وقتاً طويلاً لتطبيقها، وهو ما نسير عليه الآن. حقوق المرأة سادساً: رؤيته لحقوق المرأة: يرى الملك عبدالله - حفظه الله - أن حقوق النساء في المجتمع السعودي مرهونة بتطور ذهنية ازواجهن وابنائهن، إلى جانب تطوير عقليتهن، مؤكداً أن الوقت سيحين لتخفيف القيود على المرأة في المجتمع، وهذا الوقت يتطلب سنوات أقل من أصابع اليد الواحدة، لانطلاق المرأة بشكل أوسع للمشاركة بفاعلية داخل المجتمع، موضحاً في اجابته على سؤال صحيفة (لوموند) حول وصاية الذكور من الازواج أو الاخوة أو حتى الابناء على المرأة في المجتمع بأن هذا «الوصاية تترجم اهتمامنا بحماية المرأة وبكرامتها، فالمرأة في نهاية الأمر هي الأم والزوجة والأخت والابنة والعمة والخالة».