كانت المجالس الشعبية قديماً تشكل شيئاً أساسياً عند العرب وكانت هي بمثابة التقائهم المستمر فهم كانوا يعتمدون عليها في أحاديثهم وحل مشكلاتهم والتشاور في أمور حياتهم. الشعراء قديماً اهتموا كثيراً في تلك المجالس وتأسيسها لتكون لهم بمثابة المكان الرسمي لهم يقضون فيه أغلب أوقاتهم للحديث والسمر والشعر ولذلك نجد أنهم أبدعوا في ثقافتهم الجميلة آنذاك سواء في الشعر أو القصة والرواية التي كانت هي ما تميز تلك المجالس. الصفة الشعبية التي تُطلق على تلك المجالس هي الصفة الحقيقية لها فلو تخيلنا كيف كانت مجالس الشعراء مثلاً قديما لوجدنا أن الشعبية هي التي تطغى عليها؛ لأن حديثهم بلهجتهم المحلية وقصائدهم تمثل وتصور بيئتهم الجميلة؛ لأنهم يتناولون في قصائدهم ما يوجد في طبيعتهم كالقمر والشمس والجبل والسهل والوادي والأشجار والأزهار والأغصان، ولذلك قرأنا لهم قصائد تصور كل تلك الأشياء خصوصاً في قصائدهم العاطفية. كما أن كل مقتنياتهم في مجالسهم الشعبية تمثل نموذجاً حقيقياً لأدوات البيئة والتراث الشعبي فمثلاً بيوت الشعر وما يتم تجهيزها به من مشب للنار وأواني القهوة ولعل الجميل هنا هو ما يستهوي الكل في مثل تلك الصورة من وجود الحطب أمام تلك البيوت في شكلٍ جمالي يمثل حقيقة المجلس الشعبي. لم تكن تلك المجالس الشعبية فقط للاجتماع وتمضية الوقت بل كانت مجالس للأحاديث التي تهم ذلك المجتمع ولحل ما قد يوجد من مشكلات وكذلك لتبادل أحاديث الذكريات، خصوصاً للشعراء الذين اقترنوا بتلك المجالس فقد كان الشاعر يأتي الى تلك المجالس وهو محمل بالهموم والتفكير وما يلبث أن يصدح بقصيدة تصور ما به من هموم وحزن مثلاً، وآخر يصور عشقه وهيامه، كل ذلك في وجود بيئة حقيقة تستثير فيهم الجماليات وإبداعا شعريا بقي حتى الآن حديث مجالسنا. في وقتنا الحاضر يوجد بعض ممن هم يهوون ويعشقون تلك المجالس يتلذذون بها بين الحين والآخر في وجود الأصدقاء والأحباب الذين يجتمعون في فترات متفاوته. أخيراً: يا البيوت القديمة.. كان فيك الليل عِشقٍ ما غفا وانحنى جدٍ.. حكى.. ملح القصيد.. وهبت الريح.. كانت دلال وبهار هيل..