شدة الضوء باتجاه محدد تُحرق. يمكن أن نرى هذا المثال جليًا في ساحات الفن العربي ونحن نشاهد نجوم الغناء يتساقطون واحدًا تلو الآخر بعد أن تم استهلاكهم في برامج مسابقات الغناء ومن بقي منهم سخفته وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أبعد حد ممكن. كاظم الساهر، بعد برنامج أحلى صوت ليس هو كاظم "مدرسة الحب" و"أنا وليلى" وبالتأكيد لن يكون محمد عبده بعد برنامجه الجديد "فنان العرب" هو محمد عبده " الأماكن" و"اختلفنا". كمية "التمرغ" في الشاشات حول هاتين الشخصيتين الفنيتين الهامتين إلى اعتياديين جدا، فقط نقلب القنوات فيظهر محمد عبد أو كاظم الساهر!. وفي الشق الالكتروني تأتي أحلام كرائدة الفنانات والفنانين الذين احرقهم الإعلام الجديد. أحلام، المغنية الشعبية الإماراتية حولها هوسها بتويتر إلى "مشكلجية" من الطراز الأول، نسفت كل ذاكرة جميلة تجاه أغنياتها الأولى مع الملحن أنور عبدالله، خصوصا وأن لم يعد في رصيدها الحالي أي شيء جديد يذكر. فمطربة الخليج الأولى كما تعلن بكل جنون "عظمة" لم تترك فنانا أو فنانة أو قضية لم تتدخل فيها" من قيادة المرأة السيارة في شوارعنا إلى ماذا تضع نجوى كرم حول رقبتها في لبنان، أما معالجة القضايا فلا يبدو أنها أقل شعبية من أغنياتها ما قبل أنور عبدالله، فهي تقول في تغريدتها حول قيادة المرأة للسيارة: " مشوا بوزكم مافي سواااااقه. هذه التغريدة الكاريكاتيرية التي اظهرت ضحالة وسوقية أحلام، تلتها سلسلة تغريدات لم تترك أحدا في حاله. والسؤال ماذا لو اكتفت أحلام بالطرب، وصمتت، كيف ستكون صورتها تجاه الجمهور؟!. في المقابل يأتي راشد الماجد كمثال ناصع للفنان الذي يحترم فنه وذاته وجمهوره. جرب راشد الظهور في التسعينيات الميلادية لكنه حسم أمره مبكرا: "ليتعرف عليّ الجمهور من اغنياتي وفقط" وليس من ذلك البرامج أو هذا اللقاء. راشد الماجد الذي لن تجد له أي حساب في تويتر وإخوانه، مشغول بفنه وبأعماله الخاصة. هذا الفنان حتى وإن لم تعجبك أغنياته الحالية، ستحترم حضوره الوقور في الساحة. من هنا يجب أن نُذكِّر أن المشكلة ليست ظهور الفنان في تويتر أو سناب شات، بل في كيفية تعاطي الفنان مع هذا الظهور، كيف يحافظ على شخصيته الفنية دون أن ينزلق نحو السخافة والتسخيف لشخصية الفنان الذي في الأساس ينتمي للفن وهو أحد الكيانات المسؤولة عن تهذيب ورقي الإنسان في المجتمع. ولكن لماذا صمت الفنان قد يكون ضروريا في مواقف إعلامية محددة، ولماذا على الفنان الحقيقي أن يأخذ مسافة من الجميع لو تطلب الأمر، ثمة في الأمر شق يمكن أن نعيده إلى طبيعة الفن وتركيبته التي تحتمل الغموض؛ ففي الفن هنالك قطعة دائما ما تكون غامضة ومفقودة، وربما تكون هي ذلك السر الغامض واللامفسر الذي يعلقنا بهذه اللوحة الفنية أو تلك، تماما كما هي سيرة الفنان البعيد عن الأضواء والتي قد ننتظر جيلا كاملا كي نراها في فيلم روائي أو عمل درامي أو رواية. لنتذكر أساطير الفن، من أم كثوم إلى بوب مارلي، ما الذي حولهم حقا إلى أساطير عابرين للأجيال غير هالة الغموض حول سيرتهم وشخصياتهم المجهولة. هذا الغموض هو الذي يجب أن يدركه الفنان إنه الغموض الجاذب الساحر والذي دائما ما يدفع الصحافة إلى محاولة فك شفراته وأسراره، من خلال أخبار حياة النجوم، الأمر الذي يشعر الجمهور بالانتشاء وهم يبددون تلك المسافة المتخيلة بين الفنان والمتلقي، إنها ما اسميناه سابقا، بالمسافة الأسطورية للوهم، ونضيف، للتخييل ونسج الأساطير حول ذلك الفنان أو الكاتب أو المبدع الغائب إلا في انتاجه وأعماله، هذه المسافة اليوم تبددت تقريبا ونحن نرى فنانين، يحملون هواتفهم الذكية ليشاركوا الجمهور كل صغيرة وكبيرة والدافع بطبيعة الحالة هو الكسب الجماهيري السريع. والنتيجة، احتراق الفنان باعتياديته وملل المتلقي منه. يمكن أن نشبه المسألة بقصص الحب من زمن الرسائل الورقية والمسافات الغامضة إلى زمن الواتساب والتبلد السريع للمشاعر، حيث كل شيء يموت بسرعة، تحت وطأة عجلة الحياة الاستهلاكية، فمن نجا وسينجو يا ترى؟!. أخيرًا، يمكن أن نختم مع مثال أكبر المقارنات، إنها السيدة فيروز، التي لا تزال تسطع في الظل، تسجل أعمالا وإن اختارت أن لا تذيعها في الوقت الراهن والملتهب، إلا أنها تدرك أنها سترى نور لا محال. لا تظهر فيروز إلا نادرا إلا أن حضورها الساحر لم يمسسه شيء، هكذا حقا هم الفنانون الكبار، بأسطوريتهم وغموضهم البديع، قامات وضعت لنفسها سورًا من ورد وشمع، لذا كتب لمثلهم البقاء والخلود. فيروز أحلام