أشارت شركة آسيا للاستثمار في تحليلها الأسبوعي إلى بدء طرح التساؤلات حول استدامة ثبات أنظمة أسعار صرف العملة في دول الخليج في ظل أسعار النفط المتدنية، وتطرقت إلى عدة أسباب مهمة تدعو إلى الاعتقاد بأنه من شأن انخفاض أسعار الطاقة أن يضعف مصداقية ثبات الأسعار في المنطقة. المنتجات النفطية هي الصادرات الرئيسية من دول الخليج، وبالتالي فإن أسعار النفط تؤثر على عائدات التصدير بشكل كبير. وفي الواقع، قد يتحول فائض الحساب الجاري المستمر تاريخياً في المنطقة إلى عجز ويعمل على استنزاف الاحتياطيات الأجنبية للبنوك المركزية والضغط على ثبات الأسعار، فعندما تقع أنظمة أسعار الصرف الثابتة تحت الضغط، تصبح العملات عرضة للمعاناة من هجمات المضاربة من مثل خطر تخفيض قيمة العملة أو ازدياد احتمالية التحول إلى نظام التعويم الحر، وهنا تجدر الإشارة إلى تمتع أنظمة التعويم الحر بالعديد من المزايا، ولكنها من الممكن أن تشكل مشكلة بالنسبة لدول الخليج، مثل إدخال الاستثمارات ومخاطر تجارة العملة عبر الحدود. أيضاً، يمكن لتوقعات انخفاض قيمة العملة أن تحفّز تدفقات رأس المال الكبيرة والتي من شأنها أن تضع عملات دول الخليج تحت مزيد من الضغط. كما أن تأثير انخفاض أسعار النفط واضح بالفعل في عائدات الصادرات في جميع أنحاء المنطقة، وحتى في ميزان المدفوعات في الربع الأول من عام 2015. حيثُ سجلت المملكة وقطر عجزاً في ميزان المدفوعات للأرصدة الحالية بالإضافة إلى الحساب المالي بلغ 14% و21% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي، ويرجع ذلك أساساً إلى تراجع الحساب الجاري. في غضون ذلك، يرى التحليل أن حيازات الاحتياطيات الأجنبية هي الضمان الذي يجعل لسعر الصرف الثابت مصداقية، تملك المملكة أكبر حجم من احتياطيات البنوك المركزية في الخليج سواء من حيث القيمة المطلقة أوالنسبية، وهو ما يكفي لتمويل نحو ثلاث سنوات من وارداتها وتسع سنوات من عجز ميزان المدفوعات البالغ 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وعند الأخذ بعين الاعتبار احتياطيات البنك المركزي فقط، يتضح أن بقية دول الخليج تقع في موقف ضعيف، ومع ذلك، فإن الأصول الغير مدرجة عادةً في احتياطيات البنك المركزي، يمكن أن تستخدم لأغراض السياسة النقدية. كما أن التعديل الوزاري لمحفظة الأصول الأجنبية إلى الأصول المحتسبة بعملة دول الخليج يمكن أن يقوم بموازنة العجز في الحساب الجاري من خلال الحساب المالي وتعزيز احتياطيات البنك المركزي. ويذكر أن أنظمة العملة في الكويت والإمارات وقطر تبدو أكثر قوة مما كانت عليه المملكة عندما تم احتساب صندوق الثروة السيادية فيها، ومن شأن هذه الدول أن تكون قادرة على تمويل العجز في ميزان المدفوعات من 10% من ناتجها المحلي الإجمالي على مدى 35 و32 و16 عاماً على التوالي، وحتى البحرين وسلطنة عمان يمكنهم تحمل فترات طويلة نسبياً من انخفاض أسعار النفط، حيث أنهم قادرون على تمويل يصل إلى سنة واحدة من الواردات من خلال احتياطياتهم الوطنية، وتمويل ما يعادل خمس سنوات من عجز ميزان المدفوعات، ومقارنة باقتصاديات مماثلة في الحجم من دون أنظمة تعويم العملة من مثل سنغافورة أو هونج كونج، يبدو أن دول الخليج تتمتع بموقف جيد من حيث الاحتياطيات. إلى هذا، لفتت شركة آسيا للاستثمار في تحليلها إلى أن السلطات في دول الخليج لديها ما يكفي من الموارد لضمان نظام الصرف الثابت على المدى المتوسط. ومع ذلك، تعتمد تعديلات سعر الصرف أيضاً على تطور أسعار النفط على المدى الطويل وعلى الفوائد والمخاطر المحتملة لانخفاض قيمة العملة، وقد توقع التقرير وفق السيناريو المرسوم، أن أسعار النفط ستنتعش تدريجياً في الأشهر ال12 المقبلة، وأيضاً، من المحتمل أن تتضرّر دول الخليج نتيجة عدم اليقين ما إذا كان تخفيض قيمة العملة سيؤدي إلى زيادة الاستثمار، والتي تأمل من جانبها في تعزيز الاستثمار الأجنبي كاستراتيجية لتنويع اقتصاداتها، وعموماً، يبدو من غير المرجح تخفيض قيمة العملة في الوقت الراهن. ومع ذلك، ينبغي لدول الخليج تنفيذ المزيد من الإصلاحات على المدى الطويل لتحسين استدامة اقتصاداتها وأنظمة العملات. كما ان التنويع مهم بشكل خاص لأنه درع واقٍ لميزان المدفوعات من تقلبات أسعار النفط، ومن شأن المضي قدماً نحو نظام عملة خليجية أكثر تكاملاً، أن يحسّن الاستقرار المالي حيثُ تشكل الاحتياطيات موقفاً ضعيفاً نسبياً للبلدان الصغيرة في المنطقة، إذ يمكن أن تضعف مصداقية الكتلة بكاملها في حال تم الضغط على نظام العملة. * خبير اقتصادي في شركة آسيا للاستثمار