كانت يداي تتعرقان عندما جلست امام مقود طائرة A083 ايرباص العملاقة الجديدة ومقصورة القيادة تتوهج اشبه بمنصة قيادة السفينة الفضائية السينمائية Straship Entreprise ولا اعرف كيف سأتمكن من رفع هذا العصفور الذي يزن 300 طن وله جناحان طولهما 85 متراً عن الارض. انطفاء الاضواء على اللوحة الموجودة على سطح المقصورة مؤشر إلى اننا جاهزان للاقلاع. ثماني شاشات كومبيوترية - حلت مكان كراريس الطيران اليدوية الضخمة التي كان الطيارون ذات وقت يحملونها معهم الى الطائرة - تعمل بصمت لتقديم المعطيات واعطاء حسابات الطريق التي سنسلكها والاحوال الجوية. بيتر ودايل، الطيار السابق في سلاح البحرية والطيار التجاري في شركة الطيران الكندية منذ ثلاثة عقود كسر تقاعده وجاء ليقود معي اكبر طائرة جامبو نفاثة في العالم. وعندما انطلقت الطائرة على المدرج تحت سماء زرقاء صافية، قال: انني احرص على تسلية نفسي كثيراً. وعندما لاحظ الدهشة المرتسمة على وجهي تخلى عن المزاح وامرني برفع انف الطائرة برفق. وبهدير الانطلاق القوي وتأرجح الهيكل الاعتيادي اثناء الاقلاع كنا نرتفع فوق المزارع والحقول الخضراء في صبيحة جميلة ومثالية للقيام برحلة تدشينية. وعندما مال بالطائرة اكثر من اللزوم نحو اليمين امرني صوت كومبيوتري رجالي بأن اصحح وضعية الطائرة. ثم بعد عدة دقائق من الطيران الخالي من أي حادث ابلغني جهاز اللاسلكي المحذر من التصادم ان ثمة طائرة قادمة من الجهة المعاكسة وقد اصبحت قريبة جداً ثم حول الرسالة الى كومبيوترات مقصورة القيادة. وقال الصوت الرقمي بالحاح متزايد. «دافع عن نفسك. اجتز ودافع... تسلق، تسلق الآن». وظل الجهاز يلح ونحن نرتفع، الى ان أعلن: «اصبحت الطريق سالكة». وفور ان شغلت جهاز الطيران الاوتوماتيكي احسست بالضجر واخذت افكر ماذا استطيع ان افعل لأجعل الرحلة ممتعة. وسألت واديل اذا كان ممكناً ان نثير عاصفة رعدية. ووضع واديل اصبعه على شاشة كومبيوتر وراء مقعد مساعد الطيار الذي كنت أجلس عليه وعلى الفور رأينا البروق والامطار الغزيرة. واخذت الرياح تهز الطائرة فشددت حزام المقعد. وبلمسة اخرى اصبح الضباب كثيفاً الى حد اننا عجزنا عن رؤية أبعد من 15 متراً خارج النوافذ. ثم بلمسة اخرى صار لدينا سماء ليلية رائعة تتوهج فيها النجوم وهلال لتسهيل هبوطنا في أي مكان في العالم. وما بالك بالدخان يملأ مقصورة القيادة او ارهابيين يستولون على الطائرة؟ رد واديل انه غير مسموح له ان يوفر حوادث من هذا النوع في هذه الرحلة بالتحديد. بالطبع، لم أكن فوق حقول جنوبي فرنسا بل في احدى ضواحي مونريال - داخل جهاز تشبيه طيران كلف بناؤه 15 مليون دولار لتدريب الطيارين على قيادة اكبر طائرة تجارية صنعت في العالم بأحدث تكنولوجية طيران حتى تاريخه. طائرة A083 - التي يبلغ ثمنها 282 مليون دولار - بدأت رحلاتها التجريبية في شهر نيسان الماضي وسوف تبدأ رحلاتها التجارية في السنة المقبلة. وقد بلغ عدد طلبيات شراء السوبر جامبو القادرة على قطع تسعة آلاف ميل دون توقف خلال 18 ساعة، 154 طائرة. وقد كنت أتوقع رحلة مثيرة إلا ان الطيران الذي استغرق 45 دقيقة كان مملاً الى حد ما - والملل والرتابة شيء جيد اذا اخذت بالاعتبار ان ثمة 840 راكباً على متن الطائرة وكومبيوترات مقصورة القيادة لا تسمح بأي اثارة زائفة للصحافيين الحشريين الذين يريدون ان يعرفوا ماذا يعني التعرض لعطل ميكانيكي كبير او هجوم ارهابي خلال الرحلة. وقالت الناطقة باسم شركة ايرباص بربارة كراكت عندما سئلت عما اذا كانت الطائرة الجديدة مطورة لكي تتمكن من الدفاع عن نفسها ضد الاشرار: «السرية هي افضل دفاع ضد الارهاب. ولذلك ارجو ان تتفهموا سبب عدم التحدث عن هذا الموضوع». ولكن عندما يكون الطيارون داخل مقصورة القيادة التشبيهية فإن المقصورة البيضاء اللامعة وتنقلب بواسطة رافعات هيدروليكية تقلد حوالي 400 عطل غير مسبوق في الطائرة لكي يتمكن الانسان والآلة من التدريب معاً لاستعادة السيطرة على الطائرة. وعلى سبيل المثال، ينساب الدخان الكثيف الى مقصورة القيادة في تشبيه الحادث الذي تعرضت له طائرة شركة الطيران السويسرية الرحلة 111 خلال رحلتها من نيويورك الى جنيف وسقطت قرب نوفا سكوتيا في العام 1998 مما ادى الى مقتل 229 شخصاً كانوا على متنها. وقد قال محققون كنديون ان الطائرة سقطت في مياه المحيط بسبب حريق شب في المواد العازلة في مقصورة القيادة. وقال مارك بارنت رئيس فرع منتوجات التشبيه في شركة CAE في مونريال التي صنعت تشبيه مقصورة قيادة الطائرة A083 انه يمكن تشبيه خطأ يمكن ان يقع على الطائرة. وكلما ازداد التعقيد في تركيبة الطائرة نستطيع ان نقلد أي عطل يمكن ان يحدث وندرب الطيارين على مواجهته. تأسست شركة CAE في العام 1947 على يدي كن باتريك الضابط السابق في سلاح الجو الملكي الكندي بعيد عودته من الحرب العالمية الثانية. وقد بدأ العمل بحوالي عشرة عمال في عنبر شاغر في مطار سانت اوبير قرب مونريال لتصليح اجهزة الاتصالات التي يستعملها سلاح الجو الكندي الملكي في القطب الشمالي. وفي العام 1952 خاضت الشركة ميدان تشبيه الطيران وهي اليوم الزعيمة العالمية في ميدان اجهزة التشبيه للطائرات المدنية والحربية. وتستعمل طائرة A083 صوراً للكرة الارضية ملتقطة بالاقمار الاصطناعية لايجاد سيناريوهات واقعية للطيارين، بما في ذلك الاقلاع والهبوط في المطارات الدولية الكبرى. ولذلك على سبيل المثال - قد يتدرب طياروا شركة Quantas على الاقلاع من سيدني باستراليا، فيما يتدرب طيارو شركة ايرفرانس اكثر على مطارات باريس وتولوز - حيث توجد شركة ايرباص. وقد تم تسليم أول جهاز تشبيه للطائرة A083 من شركة ACE في تولوز في شهر نيسان الماضي، وسيتم تسليم جهاز مماثل آخر في تشرين الثاني المقبل لتدريب طياري شركة الخطوط الجوية السنغافورية التي كانت أول من اشترى طائرة. ويقلد جهاز التشبيه قوى جاذبية ومؤشرات بصرية مأخوذة من رحلات حقيقية وهو ينظم تبدلات درجة الحرارة حسب الارتفاع والمناطق الجغرافية. واذا كان نمط ما غير متزامن مع نمط آخر - لنقل ان الحركة غير متماشية مع ما تستطيع رؤيته العين - يصاب الطيار بالدوار. ويقول بارنت: «الجهاز يعطي جسمك مؤشرات لما تفعله الطائرة. والعبرة هي في اقناع العقل بأن ما يجري هو حقيقي. وهذا فن وقد رفع المهندسون ذلك الفن الى مستوى الكمال». عندما جرب واديل جهاز تشبيه A083 في كانون الثاني الماضي قال لجريدة مونريال غازيت: «كل ما تحتاج اليه هو طيار وكلب. ومهمة الكلب هي ان يعض الطيار اذا لمس أي شيء». وكان يشير بذلك الى التألية الاسطورية الكاملة لطائرات الايرباص التي تستطيع ان تقلع وتطير في مسار محدد وتهبط دون مساعدة - او مساعدة قليلة - من الطيار.