رشحت رواية الروائي عبدالوهاب الحمادي "لا تقصص رؤياك" للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية في ظل حضور لافت للرواية الكويتية مؤخراً ويعتبر هذا العمل الثانية للحمادي بعد روايته الأولى "طير الأبابيل" وكتاب آخر عن تاريخ الأندلس بعنوان "دروب أندلسية". "ثقافة اليوم" التقت به وكان لها هذا الحوار: * بدايةً؛ روايتك مرشحة لجائزة البوكر بينما هي ممنوعة في الكويت، كيف تفسّر هذه المفارقة؟. وأيهما برأيك ساهم أكثر في انتشار الرواية، ترشحها للبوكر أم منعها؟. - كانت مصادفة خاصة أنني حاولت وكنت آمل أن تفسح لكن ظروف الرقابة في الكويت تغيرت منذ فترة وصار الأصل هو المنع. المنع لا يحقق انتشاراً بالضرورة، لو أحصينا عدد الأعمال الممنوعة خلال السنة الماضية نجد أن القليل منها فقط حقق نوعاً من الانتشار. لاشك أن هناك جمهوراً يتبع مقولة الممنوع مرغوب؛ لكنه حول روايتي لم يشكل نسبة كبيرة خاصة وأن لدي إصدارين لاقيا قبولاً بين القراء في الخليج هما دروب أندلسية وهو عن تاريخ الأندلس ورواية هي الطير الأبابيل وأظن أن عامل البوكر هو الأهم وساهم بدخول الرواية إلى العالم العربي لما للجائزة من أهمية وحضور في المشهد الروائي. * "طير الأبابيل" و"لا تقصص رؤياك" وحتى العنوان المقترح في التنبيه "إن كنتم للرؤيا تعبرون" ..لماذا الاعتماد على الألفاظ القرآنية؟. - نعم، أنا أميل للعناوين التي تحتوي طبقات عدة وتفتح لتأويلها أبوابا وأدركت تلك الأهمية منذ بدأت في قراءة نتاجات آمبرتو إيكو وتأويلها لعناوينه ثم أن تلك العبارات القرآنية قد تراكمت عليها الدلالات؛ مما يجعلها تنطوي على عمق أحب أن أستفيد منه. * لماذا وضعت "تنبيه" في آخر الرواية؟. هل كان ذلك للإيهام بواقعية الرواية أم لتحرير الشخصيات من سلطة الكاتب، وهل ترى أن ذلك قد تحقق فعلا؟. - وضعت تنبيهاً في أول الرواية ليمثل للقارئ تحدياً وتوضيحاً في نهايتها ساهم في تحرير الشخصيات كما تفضلت وأيضاً ليسد ثغرات ومناطق في أحداث الرواية لم أتعرض لها، ومن خلال متابعتي لما كتب حول الرواية أرى أن النقاد والقراء تفاعلوا معها وصارت محل جدل وهذا أمر جيد من وجهة نظري. * رغم اعتمادك على قصة النبي "يوسف" عليه السلام في العنوان ..إلا أنك اخترت شخصية أخرى غير البطل لحمل هذا الاسم ..لماذا؟ - للأسماء مرجعيات تعود لها، وكل اسم يقود لخلفية إثنية تعمدتها لأرسم خارطة للمجتمع الذي نعيش فيه. في العنوان اعتمدت على الآية التي وردت في السورة ولم أعتمد على قصة يوسف عليه السلام بشكل كامل وإن ذكرت بعض أحداثها مروراً في الرواية؛ لذلك لم أر حاجة لتسمية البطل بيوسف. * على الرغم من الحبكة القوية للرواية؛ إلا أن هناك بعض الأحداث مثل طريقة كشف المحقق للجريمة عن طريق "البنغالي" وهو حدث ساهم بشكل كبير في حل العقدة، هل تم اعترافه بشكل تقليدي نوعا ما؟ وهل ينطبق ذلك على العلاقة الغريبة وغير المألوفة بين "ن" و"مجبل"؟. - لا أظنه تقليدياً بتاتاً خاصة أن العامل البنغالي الذي أشرت إليه لم يقص علينا الحدث كاملاً، بل كان الحدث متوزعاً بين شخصيات رئيسة مثل نواف، وأخرى ثانوية مثل العامل الذي كان قطعة البزل إن شئت تسميته أو هي التي أكملت الصورة السابقة واللاحقة لها. * هذا التشظي في السرد وتعدد الرواة وتصاعد الأحداث ألم تخش أنه قد يشتت القارئ ويفقده خيوط الحكاية؟. - أتصور بأن القارئ العربي اليوم قد تطور كثيراً وبعضهم يفوق الكتاب تذوقاً ودراية بدروب الروايات لذلك لم أخف كثيراً من تشتت القارئ. بل أرى أن التشظي راق لكثير منهم وخرج بها من النمط الكلاسيكي الذي أحبه لكن كتابته لاتستهويني. * أنتجت الرواية الحديثة أساليب سردية مبتكرة وكثيرة ومتنوعة وبدأ الروائيون المعاصرون بتعمد الكتابة بتقنيات سردية مغايرة للشائع.. هل أنت مع هذا التنويع والوعي بتقنيات السرد؟ أم مع التلقائية والعفوية في الكتابة؟ وأيهما أصدق وأقرب للقارئ؟. - أنا مع المزج بينهما والذي شرحه باقتدار الروائي أورهان باموك في كتابه الروائي الساذج والروائي الحساس وأرى أن الكتابة الروائية ليست لها مواصفات محددة ووصفة معدة سلفاً إذ إن لكل رواية تقنية سرداً وأدوات تخدمها لذلك يجب على الروائيين البحث الدؤوب عن كل جديد وذلك لا يتحقق إلا عبر القراءة. * هناك حضور كثيف لرواية "ساراماغو" كل الأسماء، مع أن هناك حضوراً للرواية بشكل عام خلال روايتك من خلال عدة شخصيات؛ ألا يوقع هذا بشيء من تسطيح الشخصيات؟. - نعود للتسميات وتعدد مستويات التأويل. إن من قرأ "لاتقصص رؤياك" سيلاحظ أن هناك نوعاً من التناص إن صح المصطلح مع رواية سارماغو "كل الأسماء" التي يبحث بطلها عن فتاة اختفت ناهيك عن استخدامي أجزاء من سيرة ساراماغو الشخصية؛ كعمله في صناعة الأقفال وحضوره في بعض الرؤى كموصوف دون تسميته ضمن أجواء شبيهة بأجواء روايته تلك. أظن أن ذلك ابتعد بي عن أي سطحية متخيلة. * كيف تفسر علاقة "ن" و "بسام" ألم يتخللها شيء من النمطية؟. - هنا يجب علينا تعريف النمطية، وأنا أراها علاقة تتقاطع مع كثير مما نراه من حولنا وكنت أحاول من خلالها ومن خلال الشخصيات المرتبطة بها رسم صورة للمجتمع بكامل فسيفسائه التي تأخذ العلاقات الاجتماعية حيزاً كبيراً منه ليكون توثيقاً نفسياً لما يمر به هذا الجيل العالق في أزمنة الطائفية والعنصرية بين الحروب والحب والشك والإيمان وكل ما سيراه من يقرأ الرواية. * يحضر صوتان للراوي من خلال الرواية صوت متأثر بالتاريخ واستدعائه وصوت متأثر بالرواية الغربية ويرغب بتوظيفه، هل يكشف هذا عن رغبتك بكتابة رواية تاريخية يوما ما؟ وهل يمكن اعتبار هذه الرواية -لا تقصص رؤياك- رواية تاريخية خصوصاً وهي توظف وقائع حقيقية في الكويت؟. - كل رواية تكتب بوعي هي رواية تاريخية إذ إنها ستقول لنا شيئاً عن تاريخها مكاناً وزماناً، وأنا ترعرعت على حب الرواية التاريخية التي تتضمن حدثاً تاريخياً تتكئ عليه وتتقاطع معه أو تجعله خلفية للأحداث. ورأيي أن الرواية في جزء كبير من تاريخها هي تأريخ لمن تجاهلتهم وتتجاهلهم كتب التاريخ المعنية بالأحداث الكبرى وكبار الشخصيات وما إلى ذلك. * كيف ترى حاضر ومستقبل الرواية الكويتية؟. - أخذت الرواية الكويتية منذ أعوام قليلة بالصعود إلى المكانة التي تستحقها، وهي الآن تؤكد تلك المكانة عبر حضورها النوعي المشهود في الملتقيات الأدبية والجوائز العربية والأهم من ذلك قلوب وعقول القراء في أنحاء الوطن العربي بل وتجاوزته محلقة بعيداً بعد ما ترجمت بعض الأعمال للغات أجنبية. عبدالوهاب الحمادي