اختتمت جلسات ملتقى الرواية الخامس الذي نظمه النادي الأدبي بالباحة في يومه الختامي بأوراق عمل لعدد من الروائيين والنقاد حيث قدم الدكتور مراد مبروك في الجلسة الأولى التي ادارها الدكتور سعيد الجعيدي ورقة بعنوان « التشاكل النصي بين سلطتي النص التاريخي والنص الروائي قال فيها : ان هذه الدراسة تعنى بثلاثة مستويات نقدية تشكل العلاقة التفاعلية بين النصين التاريخي والروائي المستوى الأول : السلطة التاريخية المجاوزة للنص الروائي وفيها يطغى النص التاريخي على السردية الحكائية الروائية , وتكون الرواية أقرب الى السرد التاريخي منها الى السرد الروائي اما المستوى الثاني : السلطة الروائية المجاوزة للنص للتاريخي وفيها يطغى النص الروائي على النص التاريخي , وتمثل هذا المستوى في بعض الروايات التي تأتي فيها النصوص التاريخية متناثرة ولاتشكل ملمحا بارزا في نسيج الرواية والمستوى الثالث : السلطة التاريخية الموازية للنص الروائي وفيها يحقق الروائي توازيا فنيا بين النصين التاريخي والروائي فلا يطغى احدهما على الآخر , ويعد في تصورنا أعلي مستويات التوظيف الفني للنص التاريخي في الرواية المعاصرة عقب ذلك قدم الدكتور صالح رمضان ورقة عمل بعنوان " الخطاب التاريخي في السرد الروائي و مسألة الهوية"اشار فيهاالى ان إشكاليات إعادة كتابة الأجناس السردية التاريخية ذات القيمة الرمزية و صلتها بمسألة الصراع الثقافي بين الشرق و الغرب أو المثاقفة و خاصّة مشكلة "استيراد"الأجناس الروائية الجاهزة و تجذير الهوية عند روائيين من قبيل واسيني الأعرج و جمال الغيطاني و إبراهيم الكوني و نبيل سليمان موضحا انه سيركز العمل في تعامل النقاد مع هذه المسألة و خصائص فهمهم لها ذلك أنّ كتابة التاريخ في الرواية ليست مجرّد دفاع عن الماضي وتذكير به، أو مجرّد تحقيق لهدف نفسي على نحو ما ذهب إليه جيل سابق في قراءة الرواية والتراث ،بل ليست كتابة التاريخ في الرواية مجرّد عمل تمجيدي فيه من التحسّر و البكائية ما يدلّ على ضعف حاضرنا أكثر ممّا يدلّ على قوّة ماضينا ،وإنمّا كتابة السرديات التاريخية الرمزية و المشاكلة للواقع على السواء هي اختبار لصلتنا بالتاريخ و لفهمنا لشخصيتنا و لثقافتنا ، وهي تفاعلٌ مع الواقعِ بشكل غير مباشر، فقارئ الرواية المتفاعل مع الكتابة التاريخية في مختلف أجناسها إنّما هو متقبّل لامتدادٍ ثقافي روحي متّصلٍ في التاريخ مستشرف للمستقبل فيما قدمت مريم الزهراني ورقة عمل كان عنوانها " الواقعية في الرواية السعودية أنموذجاً" اشارت فيها ان الرواية تمثل الرواية جنساً أدبيّاً بالغ الأهميّة من حيث علاقتها الوثيقة بالحياة الإنسانية, حيث أنها تعطي في كل تفاصيلها تصويراً دقيقاً لسلسلة من الأحداث والتحوّلات (التاريخية والاجتماعية والنفسية) المتصّلة. وتعدّ الرواية التاريخية أو (الخيال التاريخي) أكثر تعقيداً في تركيبها الهيكلى وتسلسلها الزمنيّ من أنواع الرواية الأخرى، فهى تتعامل مع التجارب الشخصية والعالمية من خلال سرد حكائي متصل بواقع تاريخي وأحداث حقيقية تقدمها بصيغة أدبية (شخصيات متناقضة) في زمان ومكان محددين. من هنا تقف هذه الورقة على واقعية السرد في الرواية السعودية بعرض لمحة موجزة عن الرواية التاريخية العربية, ومدخل نظري عن توظيف التاريخ في الرواية السعودية "السّمات والأغراض والنتائج", وتطرح بعد ذلك نماذج نصيّة للسرد التاريخي/ الواقعي في الرواية السعودية, وتنتهي بالإجابة على السؤال التالي : التاريخ في الرواية السعودية: توثيق تاريخي, أم خيال أدبي؟ لتحلّل وتعالج القول السائد بأن سرد التاريخ في ثنايا الرواية السعودية يعد هروباً من المسؤوليات الدينية والاجتماعية. وقدم الدكتور نبيل المحيش ورقة عمل بعنوان " استشراف التحولات التاريخية والاجتماعية في الرواية العربية " وبين فيها ان النص النقدي برؤاه ، ونظرياته ، وحفرياته المعرفية لا ينبني إلا على الفعل النصي ، وعلى الاشتغال الذي يفعّله المبدع داخل نصه بأدواته الفاعلة ، وبالتالي خلق حالة من الإنتاج مؤسسة على المنتج الإبداعي ، لكشف ما سكت عنه النص ، (( فمهمة النقد إذن هي تأسيس المسكوت عنه في النص ، وزحزحته بغية إنتاج معرفة واقعية بالتاريخ )) و يمكن تحديد فعالية القراءة في النص التي تتأسس على لحظة التأمل ولحظة التواصل مع الخافية النصية ، وذلك للكشف عن العلاقات المكونة للنص ، وعن الأسرار الكامنة وراء نصيته ، ولهذا لا بد أن (( ينبني فهم المعنى في الرواية على قراء ة تأملية دقيقة ، لا تكتفي بالنظر إلى الأفقي السطحي ، ..... بل ينبغي أن تكون القراءة مرتكزة على التحديق في الزوايا الظليلة ، والبقع المعتمة ، من المبنى الحكائي ، ومعرفة ما لم يقل عن طريق ما يقال ، من باب الإيحاء ، والتلميح ، وهذا بطبيعة الحال ينقل القارئ من قارئ مستقبل فحسب إلى قارئ منتج على أساس أن النص الروائي بما يحيل إليه من مرجعيات مختلفة ، ومتعددة نص مفتوح على احتمالات عدة واشار المحيش في ورقته ان فكرة الرواية تنبني على حدثين يشكلان محورين للحكاية : الحدث الأول هو زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لمصر سنة 1974 م ، والحدث الثاني مقتل الفلاح الزراعي الدبيش عرايس ، وذلك من خلال هذا الربط السببي بين الحدث الأول والحدث الثاني ، فزيارة نيكسون سبقتها معونة أمريكية إلى الشعب المصري ، وهذه المعونة هي التي تنبني عليها أحداث الرواية على خلفية الزيارة التي تشكل البعد السياسي ،بل هي مرآة تنعكس عليها الأحداث الاجتماعية. واختتمت الجلسة الاولى بورقة عمل قدمها الدكتور احمد السماوي بعنوان " تسريد التصوّف في "ضو البيت" للطيّب صالح قال فيها : ليس تعاطي الرواية مع التاريخ بقائم حصراً على النظر في الوثائق السالفة كتبَ تاريخٍ كانت أو معالمَ أثريّةً أو حكاياتٍ شعبيّةً بل هو يقوم على تلمّس أثر الماضي في الحاضر. فما من ظاهرة توجَد راهناً إلاّ وهي استمرارٌ لما كان سابقاً. ومن أمثلة هذه الظواهر التصوّف. فلعلّ حضوره بقوّة في مجتمع السودان أن يكون ملهماً الطيّب صالح العديد من رواياته. فقد كان لحركة التصوّف دورٌ في الحياة الاجتماعيّة عميقٌ ماضياً، وبقيت آثاره إلى اللحظة الراهنة. والنظر في التاريخ الاجتماعيّ ليس غايتَنا، في هذا البحث، لأنّ عملنا ليس تأريخاً ولا تناولا حضاريّاً بقدر ما يعنينا هذا التاريخ من حيث تمثيلُه خلفيّةً للحكاية التي يُعنى الخطابُ الروائيُّ بإبرازها. وسيكون مدار اهتمامنا على إحدى روايات الطيّب صالح هي ضو البيت. ويقتضي منّا البحث العملَ على إيضاح الكيفيّة التي بها يُسرَّد التصوّف. ونعني بذلك انتقاء أحداث بعينها يغلب عليها الطابع الخارق الذي ينتمي إلى العجيب تخصيصاً وتقوم بهذا الخارق شخصيّاتٌ هي في الأصل طبيعيّةٌ. ولكنّها، بإتيانها أفعالاً خارقةً، تخرج عن المعتاد ويعني تسريد التصوّف أيضاً النظر في خطاب الرواية لرؤية الكيفيّة التي بها يُتعامَل مع الزمن أيُكتفى فيه بالترتيب الخطّيّ أم تتداخل الأزمنة فتكون استباقاتٌ وارتداداتٌ تكشف مدى العسر في الالتزام بالخطّ التاريخيّ المتطوّر طرداً؟ وهو ما يقتضيه الخطاب الروائيّ. أما الجلسة الثانية التي أدارتها منى المالكي فقد استهلتها الدكتورة سحر الشريف بورقة تحت عنوان « السرد ومداد التاريخ فى راوية " النبطي " ليوسف زيدان فقالت : هيمن الخطاب التاريخي على رواية ( النبطي ) ليوسف زيدان فطبعها بطابعه، وصبغها بصبغتهه، ففاحت رائحة التاريخ منها على مستوى الفضاء الروائي والزمان والشخصيات والأحاث واللغة . تحكي الرواية على لسان ( الراية / البطلة ) ( مارية ) قصتها منذ أن كانت فتاة بالغة يافعة تعيش في مصر إبان فترة الحكم وصراع الرومان ضد الفرس على احتلال البلاد ، وهروبها تحت جنح الظلام مع أهل زوجها العربي إلى جزية العرب ، حيث تعيش في مكان جبلي يقال له ( السيق) فالجنوب على حدود اليمن . تعاصر مارية أحداث جساماً في جزيرة العرب : البعثة المحمدية ودخول زوجها (الأبخر) الإسلام وخوضه الغزوات ، ثم حروب الردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى فتح مصر على يد عمرو بن العاص . لقد توازت أحداث الرواية مع أحداث التاريخ ، وسيطر الخطاب التاريخي على الرواية وطبعها بطابعه في بعض الأحيان ، وخاصة في اللغة الروائية التي صاغ بها المؤلف عمله الإبداعي، تلك اللغة التي تقترب من اللغة التراثية ، وطريقة الحكاية التي تعتمد السند والعنعنة وفي أحيان أخرى يسيطر السرد الروائي، فيطغى(الحكائي) على القص إذ نجد الراوية تلعب دوراً في الأحداث، وتبرز لدينا عناصر السرد الروائي المعروفة ممتزجة بالخيال والأسطورة والعادات والتقاليد والحروب والمعبودات الوثنية في الجزيرة قبل الإسلام تركز الباحثة على تماهي ( الحكائي ) و (التاريخي) في الرواية ، ورصد علاقة السرد الفني بقلم التاريخ ومداده.عقب ذلك قدم الدكتور ورقة عمل بعنوان " التاريخ الذي يكتبه الروائي" اشار فيه ان الموضوع المشترك بين المؤرخ والروائي هو "تفاعل الحياة الإنسانية عبر الزمان" فكل منهما يحاول الكشف عن حقيقة هذا التفاعل ، لكن المؤرخ يحاول الوصول إلى هدفه عن طريق البحث العقلاني الذهني المنظم عن الحوادث من خلال جمع الوثائق وتبويبها ونقدها نقداً علميا منطقياً ثم استنباط القوانين أوالمعارف والصور التاريخية منها ، أما الروائي فيعمد مباشرة إلى الحياة الإنسانية الباطنية فيكشف ببصيرته وذكاء مشاعره عن خصوصياتها الوجدانية الدقيقة أثناء تفاعلها ،ثم يصنع من هذه الحياة أسطورة أو ملحمة تكشف عن الحقيقة الإنسانية العامة في أعمق جذورها ، معتمدا على ومؤرخا للحدوس الوجدانية والأذواق والمشاعر والأحاسيس والإرادة الذاتية و الجماعية للبشر ثم قدمت الدكتورة آمنة بلعلي ورقة عمل عنوانها " الرواية الجزائرية بين تخيّل التاريخ و تأويله" قالت فيها: انهافي هذه المداخلة ستعالج وجها آخر من تجليات العلاقة بين الرواية والتاريخ ، من خلال مستويين اثنين نعتقد أنهما يلخصان علاقة الرواية بالتاريخ في الرواية الجزائرية، منذ نشأتها إلى الآن، وعبرت عن هذين المستويين بتخيل التاريخ وتأويله؛ فالأول، وهو تخيل التاريخ، يجنح فيه الروائي إلى تخيل أحداث تاريخية ممكنة، ضمن إطار تاريخي حقيقي أما المستوى الثاني وهو تأويل التاريخ، فهو الذي جنح فيه بعض الروائيين إلى أخذ المادة التاريخية المتحققة سلفا والاشتغال على الحدث أو الشخصية التاريخية او الموضوع التاريخي وتأويلها بما يخدم مقاصدهم.