كيف لاسم أن يختزل معاناة شعب، ومأساة طفولة، وتخاذل عالم لا يتوقع سوى الشجب والتنديد مع كل فاجعة تهز أركان الإنسانية المبتورة الأطراف، العاجزة عن وقف النزف والألم، ومحاسبة الجاني المتمادي في الظلم والطغيان. آلاف الغرقى على سواحل المتوسط كانت معاناتهم مجرد أرقام تجاهلت حجم الكارثة، وكل يوم تحتل قصصهم عناوين الأخبار كغيرها من العناوين التي تتكرر إلى ما لا نهاية. لم يكن الضمير العالمي بحاجة إلى صورة طفل ماتت أحلامه ليتحرك فيعلن تعاطفه فيصمت بانتظار ضحية أخرى ليتكلم ويتكلم فقط. منذ الصورة التي نشرتها نيويورك تايمز عام 93 للطفلة السودانية النحيلة التي توقفت عن الزحف إلى أحد مراكز توزيع الطعام فيما كان نسر يقف بجانبها بانتظار مفارقتها الحياة، منذ تلك الصورة لم يشهد العالم برأيي صورة أبلغ في التعبير عن حجم مأساة اللاجئين أو المهاجرين الشرعيين كما تسميهم دول أوروبا. إيلان.. لم يكن ملطخا بالدماء أو مدفونا تحت أنقاض المباني التي دفنت مستقبل العديد من اقرانه في بلده سورية، بل رحل بكامل اناقته، رحل في هدوء خلف عاصفة من الحزن التي تجتاح كل من شاهد هذا الطفل المسجى على شواطئ الأمل والخيبات. أستعير هذه الكلمات من قصيدة للشاعر مانع بن سعيد العتيبة: مستقيل وبدمع العين امضي هذه الصفحة من عمري وامضي لم يعد يمكن أن أبقى هنا فهنا يبكي على بعضنا بعضي ايلان.. العنوان الأحدث في سلسلة نكبات يعيشها عالمنا العربي، لتسجل لنفسها تاريخاً نحييه كل عام باللطم والنواح.