وابتدأت الدراسة، والحماسة تبدو على الجميع، خاصة وأن الإجازة طويلة على بعضهم ممن يريد يوما منظما ووقتا مستغلا، لكن تبقى الدراسة مسؤولية وحملا ونظاما يحتاج إلى متابعة وانتظار النتائج وحصد الفوائد، وهذا يتطلب الكثير من الجهد سواء من المعلمين ومنسوبي المدارس أو من الطلاب وكذلك من كل أسرة اختارت لأولادها طريق العلم، فهي أيضا في مقدمة الركب وتحمل المسؤولية. يامدير الوقت فارسني فراسة والتجارب قبل درسك درسنّي وابتدأت مع الدراسة أيضا حالة الفراق بين بعض الأولاد وأهلهم ممن تضطرهم الظروف لتلقي العلم في أماكن بعيدة وأحيانا تستلزم الدراسة السفر والاغتراب مدة طويلة أيضا، وفي هذه الحالة نستشعر إحساس أفراد الأسرة وتعلقهم ببعضهم وخاصة الوالدين مع أولادهم فيعز عليهم فراق بعد أنس الاجتماع، ويقلق الوالدان حال سفر أولادهم لتعلقهما بهم وتأتي في مثل تلك الظروف امنيات كثيرة: هذه أم لطالب يعتزم السفر من أجل الدراسة وشعور الأم معروف تجاه ولدها، يحولها إلى شاعرة بليغة في البوح بمعاناتها، فكانت أمنيتها أن تؤجل الدراسة وليتها تمنت يوما أو يومين بل عامين وهي بلا شك تدري أنها أمنية مبالغ فيها ولن تنفذ قالت في أبياتها: ليت الدراسة أجلوها لعامين والا البعيد لديرته ينقلونه يرتاح قلبِ عذبه دمعة العين وقت السفر خطرِ تبين جنونه كني كسيرِ وشاف ربعه مقفين وأقبل عليه اعداه مايرحمونه والا ضعيفِ ضايقه كثرة الدين ضاقت عليه الأرض وأعلن سجونه يالله ياغافر ذنوب المصلين تلطف بقلبِ بيّنات ِ طعونه تصوير فني وترجمة لمعاناتها حال الوداع وقربه، وأبيات تصدر من قلب الأم ممزوجة بإحساسها تجاه ولدها، تقطر حنانا وعطفا، حيث يتبع ولدها جزءا من قلبها وقت رحيله ويعيش معه وقت غربته ولا شك أن من جرب قسوة الانتظار وألمه يعيش حالتها، ولو كان هناك اتصالات كاليوم لم يكن للسفر ذاك الهم، ولم يكن للغياب تأثيره المؤلم وللطلاب مواقفهم الكثيرة، ولعلها تتشعب وتتعدد وتتنوع، سواء ما يتعلق بصعوبة يعانون منها أو من غياب قد يطرأ منهم في بعض الأحيان وما يصحبه من تقديم الاعتذار، ومثال على ذلك ما قاله الشاعر علي الحربي الذي كان طالباً، فقد كان صريحا مع مدير المدرسة بالنسبة للدراسة حيث لا يجد ميلا ورغبة، ويقدم اعتذاره عن غيابه الذي حصل منه والذي كان سببه الرغبة في الأنس مع أصحابه، قدم اعتذاره بطريقة جميلة سهلة وفكاهية وتمنى فيه قبوله من قبل مدير المدرسة، فقال في قصيدته: يامدير المدرسة وقت الدراسة الحقيقة رحت عنه وراح عني الهدف ما هو بعلم ولا سياسة افتح اذنك والصحيح يجيك مني خذ كلام الطالب اللي شاب راسه مادرس في مدرسة هنّ بن هنِّي يامدير، الوقت فارسني فراسة والتجارب قبل درسك درسنّي ما درسناها على كرسي وماسة سامعين الدرس من راس المسنِّي وأنت من ساسك وعز البيت ساسه وفيك يا راع الوفا ماخاب ظني وكانها صارت مثل راع العساسة كل شيٍ راح مني ما غبني يوم غبنا عنك مقصدنا الوناسة مع رجالٍ كيفهم هيلٍ وبني ان قبلت العذر فصلنا لباسه و ان رفضت العذر ماني بمتعني وكان راسك ماتنازل عن يباسه دوك كتبك كلها لا تمتحني وفي ابيات لا تقل طرافة عن سابقاتها يقول الشاعر فريح السليم: القلب لو درسه تيسير مايفهم الدرس يازهدي القلب يبي دروس غير وجده على زامي النهدي كما أن في الميدان التربوي والتعليمي مواقف إيجابية كثيرة تمر على ذاكرة الجميع وتبقى ذات بريق في ماضيه، محمودة كلما تشير بيد التقدير لأصحابها. من مناهج التعليم قديما من ذلك موقف مشرف سجلتها قصيدة يتم تناقلها قالتها المعلمة: سعودية الرويلي، قالتها مدحا وثناء على المرشدة ريم الدعيجاء، التي قامت بجهد يشكر في سبيل مساعدة طالبة لم تستطع فتح الباب الذي أغلق عليها، فتسلقت السور وكسرت الزنك وساعدتها، تقول سعودية في مدحها: ريم الدعيجاء يا فرج كل منضام يسلم لنا فعلك وتسلم يمينك ماهي غريبة هالتفاني والاقدام وفي موقفك مع بنتنا شاكرينك الطيب طبعك يالوفاء نسل الاكرام وحنا ترانا بالوفاء خابرينك أنت شعاع الشمس لا حل الاعتام وأنت نسيم الصبح لمجاورينك ماشاقني ياريم منصب ولا اعلام لكن تمنيته على شان عينك ياليتني ياريم مكان عزام واتوجك تاج الفخر في جبينك وأغلب ذكريات الدراسة بالأمس لا تغفل جدية المدرسة بكل منسوبيها من مدير المدرسة مروراً بالمعلمين والطلاب وانتهاء بمن يحمل مفتاح الباب ومسؤول مراسلاتها، فكلهم يدا واحدة يؤديهم أولياء الأمور في كل شيء، وعنوان هذا التعاون: لكم اللحم، ولنا العظم، وهي عبارة تعني اتخذوا كل الطرق التربوية فأنتم أدرى بما يصلح له، وبالفعل كانوا أهلا لذلك، فلم يكن الغياب معهودا ولا مقبولا حتى مع المرض كان يحضر الطالب ويستأذن له أبوه، فإن غاب دون عذر طرق عليه موظف المدرسة باب البيت وأحضره بنفسه، وكأننا نقرأ في ذلك الأسلوب: أول فقرة من فقرات التعليم الإلزامي. وتبقى المدرسة محطة إضاءة فكرية كما أنها أيضا ملتقى ذكريات لا تنسى فالمدرسة و الحياة الدراسية بما فيها، عالم يجلب لنا الشعور بالارتباط مع آخرين كانوا معنا و لكن لم نعد نراهم لكنهم كانوا يوما من الأيام جزءا من أسرتنا المدرسية. الطابور الصباحي في إحدى المدارس القديمة إن وقت الدراسة وسنواتها تمضي سريعاً، وهي في الماضي ألذ و أسرع لبساطتها، حلوة عذبة التذكر، مفرحة عند استعراض صورها في المخيلة، ولاشك أن الدارس يتذكر مع أهمية العمل منغصات العصا والفلكة، وحرص المطوع على طلابه، والحفظ والخط واللوح والقلم، كما يتذكر طالب المدارس الحالية انتظامه مع الأقران في الطابور والنشاطات والجماعات، كما يتذكر الرحلات الطلابية، في هدوئها وتلقائيتها والبساطة التي تكتنفها، يزورون فيها وادياً حول القرية قد لا يكون له ميزة، لكن الصحبة تجعله مكاناً أنيساً جميلًا بحضورهم فيه. ويبقى في ذاكرة الأجيال كلها عصا المطوع وحلقات الكتاتيب وكذلك المدارس النظامية وفصولها، وكلها تتميز بالجدية والالتزام والضبط، كما أن الدارس مطلوب منه تحصيل علم وإتقانه، وهذه تحتاج إلى صبر وجدية من قبل المعلم والدارس على حد سواء، والمدرسة ترعى تلك العملية التربوية بكل حزم وعزم وجديّة وكان الحث على المثابرة والتعليم والصبر ميزة من ميزات اهل العلم والذين جيروا بعض اشعارهم لهذا الهدف يقول الدكتور بندر بن رمال من قصيدة طويلة: العلم به يالسنافي رفعة الشاني حتى ولو في بلاد الصين دورها لهذا كانت المعركة مواجهة مستمرة بين العلم والتعليم والتربية من جهة، و الجهل والأمية من جهة أخرى، كما يواجه الأطباء خطر الأمراض ولا يتركونها. لهذا عانى ولا يزال يعاني المعلمون من مجابهة الحرب مع الجهل، وكما يقال في الحكم والأقوال [الجاهل عدو نفس] وما دام عدوا لنفسه فسوف يكون أيضا من باب أولى عدوا لغيره حتى لمن يقدم له حبل النجاة.