عالم التواصل الاجتماعي هو عالم حقيقي كسر فكرة التوازي بين خطوط المجتمع وأعاد الطبيعة المجتمعية الى واقعها، فأصبحنا نرى تواصلا هائلا بين افراد المجتمع ينقل صورا متبادلة بين عوالم مجتمعية ظلت لسنوات طويلة محظورة على بعضها خلال بضع سنوات مضت تمكن المجتمع من الحصول على إمكانات تقنية كبرى في مجال يسمح له بالدخول الى عالم جديد كان محظورا عليه في السابق بسبب التكوين المجتمعي، هذا العالم الجديد اسمه عالم التواصل الاجتماعي الذي وفر للمجتمع مسارين مهمين من التواصل الأول: تواصل لفظي يعبر فيه الافراد عن آرائهم كتابيا وعبر الصور الثابته لهم لشرح مواقفهم او مواقعهم التي يتواجدون فيها، والثاني التواصل الحركي وهو التواصل المباشر عبر الصورة المتحركة والكلمة المباشرة وفي هذ النوع من التواصل حدث الكثير من التحولات في المجتمع التي سوف أحاول رصدها في هذا المقال. يعتبر مجتمعنا من اكبر مجتمعات العالم استخداما لتقنيات التواصل الاجتماعي عطفا على عدد سكانه، سواء تلك المعتمدة على الكتابة فقط او تلك المعتمدة على التعبير اللفظي المقترن بالصورة والحركة، لذلك فإن السؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا يرتبط بما هو الأثر الذي يمكن ان تحدثه هذه التقنية على المجتمع مستقبلا..؟ قبل الدخول الى هذا السؤال لابد من معرفة الطبيعة التي اتى منها المجتمع قبل حدوث هذه التطورات في عالم تقنية الاتصال والتواصل، المجتمع لم يكن يمتلك قنوات تواصل مفتوحة بين مكوناته من الذكور والاناث، فقد كان عالم الذكور في المجتمع يتواصل باتجاه واحد فقط الذكور مع الذكور والاناث مع الاناث مع تقاطعات محدودة على المستوى المجتمعي، وهذا انعكاس طبيعي لتكوين المجتمع وتقاليده وأعرافه السائدة. هذا التواصل في الاتجاه الواحد لم يكن في المجتمع فقط بل كان متواجدا أيضا في داخل الاسرة فلم يكن التواصل أيضا مسموحا او مفتوحا لكل مكونات الاسرة مع بعضهم البعض، فهناك قيود تحكم التواصل بين أبناء الاعمام من الجنسين، وبين الاخوة وزوجاتهم وأبنائهم، ولعل ما يميز هذه الظاهرة هو عملية التوافق بين ما يحدث في المجتمع وبين ما يحدث في الاسرة بالإضافة الى أن قانون التواصل بهذه الطريقة يتحكم كذلك بجميع الانساق المجتمعية. المجتمع تقبل هذه الصورة مع انه كانت هناك الكثير من الحالات التي تحدث متجاوزة هذا التنظيم المجتمعي فهناك الكثير من الاسر التي رغبت ان تكون آليات تواصلها الداخلي مختلفة عن آليات تواصلها المجتمعي، لذلك نجد أن هناك فئات مجتمعية متفاوته في نظرية التواصل المجتمعي والعلاقة بين مكونات المجتمع من الافراد الذكور والاناث، ولقد لعبت المكونات الجغرافية للمناطق والتراثية دورا في تشكيل آليات التواصل بين افرادها. في جانب آخر هناك ظاهرة المشاركة المجتمعية من حيث الأفكار والآراء عن الحياة أو مكوناتها ومساهمة افراد المجتمع في ذلك، بمعنى آخر لم يكن هناك تبادل قائم للأفكار والاراء في اطار المجتمع الا من خلال الاعلام الرسمي او المجالس المفتوحة التي كانت تطرح افكارها وفقا للاتجاه الواحد أي ما هو للذكور مختلف عما هو موجه للإناث. بقي المجتمع ولفترة طويلة من الزمن في هذا الاتجاه مع بقاء القيود والتقاليد على فكرة التواصل المفتوح والاتجاهات المتقاطعة للأفكار والاراء، وقد سبب ذلك تنامي فكرة الذكورية باعتبارها المتحكم الرئيس في العالم الحقيقي للمجتمع، لذلك ظلت كثير من القضايا ثانوية ومنها تحديدا القضايا التي تخص المرأة، وقد ساهمت السيطرة الذكورية في تشكيل المجتمع وتكويناته الثقافية وأثر ذلك على المنتج التربوي والمنتج الإنساني في المجتمع، وبدا أن جميع القضايا بما فيها القضايا العبادية توجه للذكور أولا قبل الإناث وقد أثر ذلك في خلق اهمال استمر طويلا لدور المرأة في المجتمع. كان هذا النمط يشكل العالم الظاهر للمجتمع مع وجود تجاوزات كبيرة اثرت في الحياة المجتمعية وخلقت الكثير من المشكلات التي ضاعفت من الرقابة عبر مؤسسات الضبط الاجتماعي واصبحت متابعة ظاهرة تجاوزات توازي الخط الذكوري مع الخط الانثوي تستهلك اكثر من خمسين بالمئة من جهود المجتمع، وهذا بالتأكيد ساهم في تعطل الكثير من القضايا التي كان من الممكن أن تنظم الحياة المجتمعية وفقا لقيمه وتقاليده ووفقا لقراءة حديثة لمعطيات التحولات المجتمعية. ساهمت تلك الظواهر في تعطش المجتمع الى أي شكل من قنوات الاتصال القادرة على اختراق المجتمع، وهذا ما يفسر تعطش المجتمع الى كل تقنية مجتمعية تسمح له بأن يكون جزءا من المجتمع الكلي الذي يعيش فيه، وهذا تحقق بالفعل مع تدفق هائل لمنتجات التواصل الاجتماعي التي غيرت من مفاهيم التواصل المجتمعي في المجتمعات شبه المغلقة، وهذا تحديدا يفسر الانجراف الهائل للمجتمع نحو التعاطي مع كل تقنية جديدة تضاعف من فكرة التواصل الاجتماعي سواء عبر الكلمة مباشرة او عبر الصورة المتحركة. هذه التقنيات الهائلة التي اوجدت ظواهر التواصل الاجتماعي سوف تساهم بشكل كبير في احداث تحولات كبرى في المجتمع، ولكن هذه التحولات بحاجة الى الاعتراف بها وتشجيعها وفقا لقواعد المجتمع، والا سوف تكون النتيجة وجود عالمين عالم ظاهر نسميه العالم الحقيقي للمجتمع، وعالم متوار نسميه عالما افتراضيا، وتكمن الخطورة بين هذين العالمين انه لابد وأن يأتي يوم ويكونان في مواجهة بعضهما البعض وفي تلك اللحظات لايمكن توقع النتيجة التي يمكن أن تصيب المجتمع. عالم التواصل الاجتماعي هو عالم حقيقي كسر فكرة التوازي بين خطوط المجتمع وأعاد الطبيعة المجتمعية الى واقعها، فأصبحنا نرى تواصلا هائلا بين افراد المجتمع ينقل صورا متبادلة بين عوالم مجتمعية ظلت لسنوات طويلة محظورة على بعضها، لقد اصبح كل فرد قادرا على التعبير عن واقعه الحقيقي ومن ثم نشره في المجتمع حيث لايمكن اعتراض تقنية التواصل الاجتماعي بأي وسيلة، وهنا فقط يجب أن نعترف بأن تحولا مستمرا سوف يحدث في المجتمع، ولذلك فقد اصبح لازما أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي جزءا من نهجنا التربوي والثقافي في المجتمع بعيدا عن النهج التسويقي الذي نستخدمه في الاعلام دون تأثير في خلق منهجية التربية الخاصة بقنوات التواصل الاجتماعي التي نفتقدها بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.