انقضت إجازة الصيف وعاد ملايين السياح الخليجيين ومنهم السعوديون إلى بلدانهم بعد أن صالوا وجالوا في عواصم أوروبا ومدنها واستمتعوا بأجوائها الرائعة هرباً من حر الصيف في بلادنا ومحدودية مصادر الترفيه. ويبقى السؤال الصعب ما هو الانطباع الذي تركه هذا العدد الكبير من سياح الخليج في الدول التي سافروا إليها خلال الصيف، وهل كانوا سفراء معبرين عما تشهده بلادنا من نهضة وتطور وما تتصف به من خصائص ثقافية وحضارية. الحقيقة، والتي كشفتها شبكات التواصل الاجتماعي ووثقتها وسائل الإعلام، تؤكد أن الجزء الأكبر من السائحين الخليجيين الذين سافروا لعواصم أوروبا – هذا العام ، والذين أنفقوا المليارات، قدموا صورة سلبية للعرب والمسلمين عموماً ولأبناء الخليج على وجه الخصوص، من خلال تصرفات وممارسات غير مسؤولة ومنضبطة إلى الدرجة التي جعلت بعض الدول تسن قوانين خاصة للحد من تصرفات السائحين الخليجيين أثناء تواجدهم بها، على غرار قانون لندن الجديد ضد سرعة سيارات السياح الخليجيين وتصنيفها كجريمة، إضافة إلى قيام برلمان ولاية "سالزبورج " الاتحادية في النمسا بإصدار قرار يلزم حكومة فيينا بتخفيض منح تأشيرات الدخول للسياح من السعودية والكويت بنسبة ثابتة سنوياً، بعد أن اشتكى سكان الولاية من ممارساتهم وتجاوزاتهم التي تتنافى مع الذوق العام والحفاظ على البيئة. بل ووصل الأمر إلى حد قيام بعض المنظمات المعادية للإسلام في بعض الدول مثل التشيك إلى استغلال تجاوزات السياح الخليجيين في إعلان رفضها الصريح والواضح وجود المسلمين على أراضيها، وذلك على الرغم من الإنفاق الكبير للسائح الخليجي في هذه الدول. ولا نستطيع أن نلوم الدول على جهودها في حماية بيئتها أو شواطئها أو حدائقها ورفضها لممارسات السائح الخليجي التي تمثل اعتداء على البيئة أو تهديدا لسلامة الآخرين ونحن نرى بعض سياح المملكة والخليجيين يمارسون الاستعراض في لندن ويتباهون بذلك أو يقومون بسرقة البط وبتدخين الشيشة في ساحات أشهر المعالم والمزارات السياحية في عواصم أوروبا مثل ساحة "برج إيفل" في باريس أو ساحة "الدومو" في إيطاليا أو في شوارع بلدة " انتر لاكن" السويسرية. ولا نستطيع أن نتخذ موقفا واضحاً من صاحب مقهى أو مطعم أو فندق في أوروبا يقول صراحة انه يخشى أن يكتشف السياح الخليجيون مطعمه أو فندقه وأنه لا يرحب بهم في مقهاه حتى وإن كان سوف يخسر جزءاً من أرباحه. لكننا نتساءل مجدداً عن سر هذه المشاهد المخزية التي تزدحم بها شبكات التواصل الاجتماعي عن الممارسات والسلوكيات غير المسؤولة لسياح الخليج في أوروبا والتي قادت إلى تشكل صورة ذهنية سلبية عن دول الخليج في أذهان كثير من الأوروبيين، والإجابة واضحة ولا تخفى على ذي عقل وتتلخص في التربية القاصرة، وضعف آليات تطبيق الأنظمة والقوانين والتي شجعت كثيرا من شباب الخليج للتجرؤ على المرافق العامة، والتهاون الذي يصل إلى حد الجريمة في ما يتعلق بسلامة البيئة والحرص على راحة الآخرين، أثناء زياراتهم لأوروبا وغيرها من عواصم العالم، وكذلك من يمارسون الطبخ والشوي في حدائق الكويت أو السعودية دون مساءلة أو عقاب هم أنفسهم من يلوثون حدائق الهايد بارك و "زيلامس" في ساحات برج إيفل. ولأن صرامة القوانين في أوروبا كانت كفيلة بردع هؤلاء كما أن الثقافة الأوروبية أسهمت في فضحهم عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، تبقى الحاجة إلى سن قوانين صارمة لاجتثاث مثل هذه السلوكيات المرفوضة في كل دول الخليج العربي، وكذلك مراجعة الأنظمة الخاصة بحماية البيئة والمرافق العامة، حفاظاً عليها من هذه الممارسات، والتي لم تعد تهدد بيئتنا وحدائقنا وشواطئنا فقط، بل امتد خطرها لتهديد سمعة بلادنا في الخارج وتقديم هدية مجانية للمتربصين بنا من أعداء الإسلام لتصوير العربي المسلم في صورة كائن بدائي غير متحضر وغير مرحب به في الدول المتقدمة. وخلاصة القول لن تتغير صورتنا لدى الآخرين ما لم تتغير صورتنا داخل بلادنا.