على رغم بعدها عن موطنها آلاف الكيلومترات، فإن السائح لايزال يسمع قرقعة الفناجين، سواء أكان في أعلى قمة جبال «الكابرون»، أم في سهول التشيخ، فهي حاضرة لا محالة. وهرباً من حرارة الصيف الحارقة، يتجه سواح من السعودية ودول الخليج العربي إلى المدن والأرياف الأوروبية، مرتمين في أحضان الأجواء الباردة والمناظر الخلابة، والطبيعة المتنوعة. إلا أن البعض لا ينسى حمل سلوكيات «محظورة» ضمن أمتعتهم. وضجت مواقع التواصل الاجتماعي كافة بصور ومناظر يراها أناس «تخلفاً»، فيما ينظر إليها آخرون على أنها «أصالة محمودة، لا تتغير»، فصار السجال بينهم مشتعلاً، فجزء منهم وصف فرش بساط «عزبة الشاي والقهوة» في ساحة «الدومو» بقلب ميلانو «عملاً رجعياً»، يسبب «تلوثاً بصرياً» للمارة في تلك الساحة. بينما يراه آخرون فعلاً «عادياً» أو «محموداً» في إحدى صوره، كونه «لا يؤذي أحداً، ولا ينتهك أنظمة منصوصاً عليها». إلا أن الجانبين اتحدا حين رأوا مخلفات من جلسوا في ساحة «تروكاديرو»؛ أكواباً ورقية وصحون بلاستيك، شوهت مناظر الأمكنة التي ارتادها المصطافون الخليجيون. وفي التشيخ، استغل المناهضون للإسلام ممارسات السائحين الخليجيين، فكان ظهور منظمة «لا نريد الإسلام في التشيخ» واضحاً، بعد أن أطلق عدد من أتباعها الكلاب على المصطافين الخليجيين، متخذين إياها طريقة لإبعادهم عن حدائقهم التي قالوا إن الخليجيين «عاثوا فيها فساداً». وكانت السلبيات التي خلفها عدد من السائحين السعوديين في بعض الدول الأوروبية دافعاً لبرلمانات بعض تلك الدول إلى التحرك بهدف «كبح جماح» تدفقهم إليها. في حين بددت سفارات فرنسا والنمسا والتشيخ في السعودية - عبر بيانات صحافية - مخاوف احتمال فرض قيود على سفر السعوديين إلى تلك الدول، إثر مقاطع الفيديو التي انتشرت بشكل لافت، وتظهر سعوديين في مواقع عدة من تلك البلدان، وهم يمارسون بعض العادات المحظورة هناك. وأكدت سفارات الدول الثلاث أنه لم تطرأ أية تغييرات على سياسة منح السعوديين التأشيرات إلى بلدانهم، إذ بلغ عدد السعوديين الذين زاروا فرنسا والنمسا والتشيخ، منذ بداية 2014 حتى الآن، 321 ألف سعودي، إلى جانب أعداد الطلاب الدارسين في تلك البلدان الأوروبية، التي تصدرتها باريس، بوصفها الأكثر استقطاباً للسعوديين، ب94 ألف تأشيرة، تلتها فيينا ب26.600 تأشيرة. وتباينت أيضاً آراء أصحاب الأعمال في الدول الأوروبية، إذ ذكر لاكرا، وهو أحد مالكي محال التموين في قرية «زي لام سي» السويسرية، ل«الحياة» أنه «خلال الأعوام الثلاثة الماضية شهدنا تحولاً عجيباً في الزوار من دول الخليج، وخصوصاً من الجنسيتين السعودية والكويتية، إذ كانوا خلال الأعوام من 2006 حتى 2009، يعدون على أصابع اليد، حتى أتى الانفجار في شكل مفاجئ، فأصبحنا لا نرى سواهم»، مشيراً إلى أن السياح يتباينون في درجات فهمهم ورقيهم. وعن نظرته العامة إلى السائح الخليجي، اكتفى بالقول: «أصابع اليد الواحدة تختلف». بينما تجلس سانسا، وهي مديرة أحد المطاعم في بلدة «إنترلاكن» السويسرية، في مكتبها قلقة من أن يجد السائحون الخليجيون مطعمها، تقول: «في السابق كان يأتي إلينا سياح خليجيون، وكانوا رائعين بما تعنيه الكلمة، ولكن في الآونة الأخيرة باتت الفئة الزائرة لنا مرعبة». وأضافت سانسا: «أصبح العمل شاقاً إلى أبعد درجة، أطفال يركضون في أرجاء المطعم، ويصرخون، وأهلون يضحكون ويقهقهون بأصوات مرتفعة، ضاربين بالآداب العامة عرض الحائط، وهذا ما أخافه شخصياً، إن اكتشف الزائرون الخليجيون مطعمي». وعلى صعيد السياح، قال ياسر الأحمد: «من واظب على زيارة مدن أوروبا سيلحظ الفرق الشاسع في الصورة النمطية التي اتخذها الأوروبيون خلال الأعوام الخمسة الماضية للخليجيين، فبعد أن كان ينظر إليهم على أنهم «أهل بذخ»، صار البعض يراهم في صورة «البدائي»، وبعد أن كانت تقف السيارات الفارهة أمام أبواب الفندق، استبدلها اللاحقون بأحذية أطفالهم، ليركضوا وسط نوافير الماء في ساحة الفندق».