عندما تذكر اليابان تذكر معها آلاف الاختراعات من سيارات وتلفاز وترانزستور وفيديو، وكل ما يخطر بخيالك من ابتكارات وقدرة على العمل والإنجاز. كل شيء يمكن أن يخطر على البال عندما يتذكر المرء اليابان، ما عدا شيئاً واحداً، هو أبعد ما يفكر فيه الإنسان، وهو أن اليابان بلاد الشعر دون منازع!! فالشعب الياباني شعب مولع بالشعر منذ القدم.. انهم يتبارون في نظم الشعر وتعليمه لأبنائهم، حتى أصبح الشعر جزءاً مهماً في حياة هذا الشعب الرائع!! وتقدم محطات التلفاز والإذاعة كثيراً من البرامج الشعرية التي تتنافس في إبرازها من أجل جذب ملايين المشاهدين والمستمعين. أما الصحف والمجلات ففيها أبواب ثابتة للشعر، وكثيراً ما تنشر الصحف الكبرى أجمل القصائد في صدر صفحاتها الأولى. وأشهر هذه الصحف في هذا المجال صحيفة اساهي شيمبون (Asahi Shimbun) التي تنشر قصيدة في صفحتها الأولى كل يوم. وقد أحصت منظمة اليونسكو عدداً كبيراً من المجلات المختصة بالشعر، والتي تصدر دورياً في اليابان، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المجموعات والدواوين الشعرية وكتب نقد الشعر التي تصدر كل عام، ومنها ما يُباع بملايين النسخ ويُعاد طباعته لعدة مرات. كما تفيد تقارير منظمة اليونسكو بأن هناك ملايين الهواة الذين يكتبون الشعر بشكل منتظم، ولعل أكثر أنواعه انتشاراً ما يسمى ب (الهاي - كاي) (Hay - Kay) وهي مقطوعات صغيرة من الشعر تقتصر كل منها على ثلاثة أبيات. ويزيد في أهمية الشعر اهتمام امبراطور اليابان اكيهيتو وأسرته بالشعر. وكما يطلق على اليابان بأنها «مملكة الشمس» فإنها تستحق أيضاً لقب «مملكة الشعر» في عالمنا المعاصر. إن الشعب الياباني شعب فريد من نوعه، فقد أخضع كل شيء للعمل الجاد وللعبقرية اليابانية التي استطاعت في أقل من خمسين عاماً أن تحتل ارفع مكانة بين الدول الصناعية والاقتصادية الكبرى في العالم، كما أن الأمة اليابانية قد تفوقت على كثير من الشعوب بكثافة الاختراعات والتقنيات المتطورة. إن تجربة اليابان تستحق أن تُدرّس بشكل جاد في بلادنا من أجل عمل بلا جدل، ومن أجل إنجاز تلو إنجاز دون مبالغة، وبخيال أقرب إلى الشعر منه إلى التردد والمبارزات الكلامية دون طائل. إن الشعر هو شعور بقدرة الإنسان على تخطي العقبات، والصعود إلى أفق الطموح، والقدرة على جعل الواقع أكثر جمالاً وروعة من أجل مستقبل مشرق للإنسان. والله ولي التوفيق.