إن الصورة صنعت أساطير وأمجادا جديدة لم تكن موجودة في أحداث الحياة البسيطة وحولتها إلى ملاحم، ثم أُدرجت ضمن مشروع تواصلي وخطط إستراتيجية لكي تضيف مزيداً من الفاعلية والإبداع وهذه المهام وجهت الإنسان إلى سبل المعرفة. وأناقش هذا الرأي في ضوء الاغتراب الذي جعل العالم الطبيعي يهاجر إلى العالم التقني فكل ممارسة إنسانية تتشكل حسب حركة العالم وتجمع بين أوجه الشبه والاختلاف، وترى نفسها عن بعد وتصبح قيمتها بكل تأكيد تتوافق مع نشاطها البشري المتحرر من قيود االخيبات التي صادفتها أو رافقتها. فإذا نظرنا إلى الهجرة والأعداد الضخمة التي نقرأ عنها ونشاهدها يوميا في النشرات الإخبارية ومن خلال الصور التي تنقلها وسائل الإعلام نجد انها كوارث بشرية كبرى، أصبح المهاجرون غير الشرعيين هاجس أوروبا بل والعالم بأسره، وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش :(إن غالبية المهاجرين القادمين إلى الاتحاد الأوروبي يأتون من 4 دول تشهد معارك أو انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان). وفي تقرير نشرته المنظمة استنادا إلى لقاءات مع مهاجرين أن 60% يأتون من 4 دول تشهد نزاعات أو أعمال عنف وهي سورية وإريتريا والصومال وأفغانستان، وأضافت أن غالبية المهاجرين الآخرين يأتون من نيجيريا وغامبيا والسنغال ومالي بحثا عن حياة أفضل لكن الكثير منهم تعرضوا للعنف أو انتهاكات لحقوق الإنسان وهم في صدد تقديم طلب لجوء.. ولا نملك إلا قول لقد تحولت حياتهم إلى فصول من الجحيم فيهلك من يهلك وينجو من ينجو، وهذه المجموعات تبحث عن عالم حقيقي هاربة من الفقر والجوع والحرب والمصير المجهول في بلدانها. ولا شك أن منظمات حقوق الإنسان في موقفها السلبي لن تختفي ولن تظهر هي كالظل تماماً لا يضر ولا ينفع، والنتائج التي تقدمها تفتقر إلى مستقبل آمن ورعاية للمهاجرين، ولن تخلق سوى وسيلة فعالة لتحويل الإنسان من طبيعته إلى مجرد أداة، فالمجتمع الصناعي يتطور حسب قوانينه الضمنية فقط، وعندما تُنتزع ملكية الإنسان فكأنما جردته من ماهيته وطاقاته الذهنية الحرة، وبالتالي فإن عملية الهجرة تؤثر في مستويات المجتمع. وإن مايجب الانتباه إليه، هو أن كل المواقف السيئة والبائسة هي نتاج الحرب والعنف وآلة القتل، فإذا كان قدر الإنسان أن يكون مظلوما فينبغي عليه تعزيز الثقة بالله أولاً وأن يبحث عن نهاية مأمونة، وما الحياة إلا صراع من أجل البقاء في خضم هذه الظروف الدميمة والبشعة التي نالت من هؤلاء المتضررين والمهاجرين إلى العالم الذي لا يعول على اقتصاده كثيرا، ولن يحتمل أعباء إضافية. ومع ذلك لن نتعرف على الأشياء كما تبدو أو كما توجد، فالحقيقة ليست الأفعال كما تظهر وإنما في المحرض لهذه الأفعال وما ينتابها من ضعف وتشرد نفسي والموجودات التي حولها وما تعاني من مستوى معاكس، فقد أفل عهد الأصنام وأتى عهد صلب الأنام دون ذنب، ولم يحقق الغرب نجاحاً باهراً من خلال فعل إنساني أو قانوني يكفل للمهاجرين حياة آمنة وتمنحهم حق اللجوء من سوء الأحوال السياسية في بلدانهم فالنجاح هو الإبقاء على تحمل مسؤولية إنقاذ بشر فشل آخرون في الحفاظ على حياتهم وأمنهم واستقرارهم .