كثيراً ما يأخذ الكسل والاستسهال الناس، أمام سيل ما يصلهم من أخبار ومعلومات وصور وفيديوهات، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديداً تطبيق «واتس أب». وهي المواد التي تتنوع موضوعاتها، بين سياسية واجتماعية وصحية ودينية وفكاهية وسواها. هذا التدفق السريع وغير المعهود للمواد أحدث إرباكاً في الاستقبال عند الكثيرين، بحيث لم يعد بإمكانهم التحقق من مدى صحتها. خصوصاً في ظل عدم مقدرتهم على ذلك من ناحية موضوعية أو تقنية، وهي مسائل تعني المختصين بالدرجة الأولى. المشكلة تزداد وطأتها في ظل غياب الشفافية الإعلامية، وفي المجتمعات المحافظة التي تتبع سياسة إعلامية غارقة في التحفظ، ما يجعل المواد القادمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي محل ثقة وإن جزئية من المتلقي، الذي لديه ريبة تجاه الإعلام الرسمي أو الكلاسيكي. المشكلة السابقة يمكن حلها عبر منح مزيد من الشفافية والحريات لوسائل الإعلام التقليدية، وتطوير معايير عمل مهنية لقنوات «الإعلام الجديد»، ليكون له ما يحول دون إغراقه بالمعلومات المضللة أو المشوهة. الاستقبال السريع جاء متوافقاً مع أنماط الحياة الجديدة للمجتمع، المعتمدة على السرعة، والسطحية، والبعد عن التعمق في الفهم. وهو ما ساهم في تعميم «جهل مركب» لدى شريحة واسعة من الجمهور. جمهور يعتقد أن بإمكانه أن يقدم تفسيرات وتحليلاً علمياً وموضوعياً لمختلف القضايا السياسية والدينية والاجتماعية، وأن يحاجج ثقافياً في مفاهيم وظواهر فلسفية عدة، لمجرد أنه يتسمر يومياً ب»بلادة» أمام شاشة هاتفه المحمول، يستقبل أطناناً من «النفايات الرقمية» تصله دون أن يفطن إلى أي هاوية ينساق عقله، وأي تعمية يمارسها على ذاته، برضاه، ومنتهى طوعه. إن التقنية هي وسيط في تعميم الثقافة، وقناة تسيل من خلالها المعلومات التي تنتجها المجتمعات المستخدمة لها، وهي تعكس في صورة منها مدى التقدم أو التحضر الذي وصل له مستخدموها. ولذا فهي تعكس في هذه القضية بالتحديد، المأزق المعرفي الذي تعيشه الكثير من المجتمعات العربية في الوقت الراهن. إن «واتس أب» لا يمكنه أن يصنع مثقفاً حقيقياً، أو محللاً سياسياً، أو عالماً في علوم البيئة والصحة. وجميع ما نشاهده من ظواهر تتكاثر في مجتمعنا، لا تعدو كونها شخصيات هشة، خاوية، كبر حجمها بسبب استخدام مضلل للتقنية، فيما هي في أحسن الأحوال، يمكن الاستماع لها على مضض في الديوانيات ومجالس الاستراحات، وأنت تحتسي فنجان قهوتك!. إن الكتاب والتعلم والقراءة والتجربة والمراس المستمر، هو ما يصنع شخصيات تمتلك الثقافة والوعي والقدرة على تكوين رؤية وبصيرة حقيقية، وما عدا ذلك، فحفنة من «المتحذلقين» وبائعي الكلام الفارغ، الذين لا يجب أن لا ننصت لهم وحسب، بل أن ننصح أصحابهم بأن يكفوا عن الثرثرة، ويتواضعوا أمام العلم الذي وإن كان عصياً عليهم، إلا أنه سهلٌ لمن أراد الاغتسال بنوره الأخاذ.