شهدت ثماني محافظات مصرية أمس بداية ساخنة لواحدة من أشرس الانتخابات البرلمانية في تاريخ مصر، وصوت الناخبون في المرحلة الأولى التي جرت في محافظات القاهرة والجيزة والمنوفية وبني سويف والمنيا وأسيوط ومطروح والوادي الجديد . ورغم تكثيف الحضور الأمني حول مقار اللجان، لاسيما التي يتنافس فيها مرشحون لجماعة الإخوان المسلمين المحظور نشاطها إلا أن بعض اللجان لاسيما في صعيد مصر شهدت اشتباكات وأعمال عنف بين أنصار مرشحي الحزب الوطني الحاكم ومرشحي الإخوان والمستقلين، وأسفرت تلك الاحتكاكات عن إصابة 12 شخصا في محافظة بني سويف «صعيد مصر» وإصابة أعداد أخرى نتيجة التزاحم أمام اللجان فيما سارت الانتخابات على نحو هادئ في القاهرة باستثناء بعض الدوائر الساخنة مثل باب الشعرية التي يتنافس فيها مرشح حزب الغد أيمن نور رئيس الحزب مع مرشح الوطني، ودائرة السيدة زينب التي يتنافس فيها الدكتور فتحي سرور مرشح الوطني مع مرسى الشيخ المنشق عن حزب الغد وآخرين من جماعة الإخوان والمعارضة. وأدلى الرئيس حسني مبارك بصوته في دائرة مصر الجديدة في الصباح الباكر وأكد أن انتخابات مجلس الشعب تخطو بالمصريين خطوة مهمة على طريق العمل الوطني وتضيف لما حققته الانتخابات الرئاسية الماضية لمسيرة الديمقراطية والإصلاح، للعبور إلى مرحلة جديدة نبنى فيها مستقبلا أفضل لمصر وأبنائها. وعشية الانتخابات كان مبارك وجه كلمة إلى الشعب المصري ليل الثلاثاء عبر فيها عن تطلعه لانتخابات تشهد تنافسا شريفا تعزز التعددية وتثري البنيان الديمقراطي وتستكمله مؤكدا أن هذه الانتخابات ستكون حرة ونظيفة حيث يشرف عليها قضاء مصر العادل ويراقبها الشعب والمجتمع المدني بجمعياته الأهلية وتتولاها اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية وفق أحكام القانون. وطالب كل ناخب وناخبة بالمشاركة في هذه الانتخابات والإدلاء بأصواتهم، لأن مشاركة أبناء الوطن هي مفتاح النجاح لتلك الانتخابات. ويختار الناخبون في هذه المرحلة 164 نائبا في مجلس الشعب من إجمالي عدد المقاعد البالغ 444 مقعدا ويخوضها 1635 مرشحا يتنافسون في 82 دائرة في المحافظات الثماني ويبلغ عدد الناخبين فيها نحو 11 مليونا من أصل نحو 32 مليونا يحق لهم التصويت، وتجرى الانتخابات على مراحل بهدف ضمان الإشراف القضائي الكامل عليها حيث يرأس القضاة اللجان الفرعية والعامة. وتم توزيع الدوائر الانتخابية بحسب الكثافة السكانية على أن ينتخب في كل دائرة عضوان بالمجلس ووفقا لذلك يبلغ عدد دوائر محافظة القاهرة 25 والجيزة 14 دائرة والمنيا 11 وأسيوط 10 وفي الوادي الجديد دائرتان فقط. وتأتي أهمية تلك الانتخابات من كونها تعد الأولى بعد أول انتخابات رئاسية بالاقتراع السري المباشر، وبموجب التعديل في المادة 76 من الدستور المصري يحق فقط للأحزاب التي تشغل 5٪ على الأقل من المقاعد في المجالس التشريعية والمحلية المنتخبة تقديم مرشح لرئاسة مصر. وتم التصويت للمرة الأولى في صناديق شفافة ليختفي من المشهد الانتخابي المصري الصندوق الخشبي الذي كانت تعده المعارضة من أهم وسائل تزوير الانتخابات. ومن المشاهد الانتخابية الجديدة في مصر لجوء عدد كبير من مرشحي المعارضة بصفة خاصة للتعريف بأنفسهم وطرح برامجهم على شبكة الإنترنت. وقرر رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات وزير العدل محمود أبو الليل أن تتم عملية فرز الأصوات في اللجنة العامة التي يرأسها أحد القضاة أمام المرشحين ووكلائهم ومندوبيهم، على أن تعلن النتيجة بعد إتمام الفرز. وتؤكد المؤشرات أن الحزب الوطني الحاكم هو الأوفر حظا ويتنافس مرشحوه من وزراء ومسئولين كبار ونواب في المجلس الحالي مع تحالف الجبهة الوطنية للتغيير، الذي يضم 11 حزبا وتجمعا معارضا بينها جماعة الإخوان المسلمين إضافة إلى المرشحين المستقلين. ومن أبرز قيادات الحزب الحاكم المرشحين في هذه المرحلة رئيس مجلس الشعب أحمد فتحي سرور في دائرة السيدة زينب ورئيس ديوان رئاسة الجمهورية زكريا عزمي في الزيتون ووزير شؤون البرلمان كمال الشاذلي في الباجور بالمنوفية. ونتيجة سخونة المعركة الانتخابية وضخامة عدد المرشحين توقع المراقبون أن تجرى انتخابات إعادة الثلاثاء المقبل في 80٪ على الأقل من دوائر المرحلة الأولى. وشهدت محافظات الصعيد الثلاث في هذه المرحلة بني سويف والمنيا وأسيوط، معركة انتخابية شرسة حيث ينافس مرشحو جماعة الإخوان بصفة خاصة مرشحي الحزب الحاكم. وحتى الساعات الأخيرة من الاقتراع الذي انتهى الساعة الخامسة مساء أمس استمرت جهود المرشحين في الدعاية بمختلف الوسائل من أجل الفوز بأصوات الناخبين، خاصة أن المؤشرات الأولية لعملية التصويت تؤكد صعوبة الحسم من الجولة الأولى وأن معظم الدوائر سوف تشهد إعادة بين مرشحين فئات ومرشحين عمال أو فلاحين، باستثناء عدد قليل جدا من الدوائر الانتخابية خاصة تلك التي يخوض فيها مسئولون حكوميون مثل دائرة الباجور بمحافظة المنوفية والتي يعتبر مقعد الفئات محجوزا للوزير كمال الشاذلي، ودائرة المعهد الفني بحي شبرا بالقاهرة والتي يخوض فيها وزير المالية المصري الدكتور يوسف بطرس غالي الانتخابات، إلى جانب دائرة الزيتون والتي يحتكرها الدكتور زكريا عزمي أمين رئاسة الجمهورية، ودائرة السيدة زينب والتي يحتكرها الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري. وقد مثل الحد الأقصى للدعاية الانتخابية الذي قررته اللجنة العليا للانتخابات وهو 70 ألف جنيه عائقا كبيرا أمام رجال الأعمال وباقي المرشحين المعروف عنهم الثراء المادي في الاستغلال الأمثل لكافة الوسائل الدعائية خاصة الإعلان في الصحف وغيرها من وسائل الإعلان، لتصبح الصحف وتلك الوسائل الخاسر الأول والأكبر في هذه المناسبة الكبرى، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار الإعلان في تلك الوسائل، حيث لا يكفي إجمالي المبلغ المخصص للدعاية الانتخابية ثمن أقل من صفحة في الصحف القومية الأكثر انتشارا . ومن هنا لجأت الأحزاب المصرية المشاركة في الانتخابات البرلمانية إلى دعم مرشحيها عبر الموضوعات الصحفية البحتة حتى لا يقع مرشحيها تحت طائلة تجاوز المبلغ المخصص للدعاية الانتخابية، وبالنسبة للحزب الوطني فقد تولت الصحف القومية هذه المهمة نظرا لضعف توزيع جريدة الحزب (مايو) . وللتحايل على ضعف المبلغ المخصص للدعاية الانتخابية لجأ المرشحون إلى العديد من الوسائل من أجل كسب أصوات الناخبين خاصة في الدوائر الفقيرة، ابتداء من أجازة عيد الفطر المبارك، مثل توزيع علب حلوى العيد (الكعك والبسكويت) على الناخبين، وكذلك توزيع الإعانات المادية في صورة عيدية للأطفال في تلك الدوائر، وبذلك يصعب على الجهات التي تراقب العملية الانتخابية من إثبات التجاوز المادي في الدعاية الانتخابية . كما انتشرت وسائل الدعاية الانتخابية بين المرشحين عبر السيارات التي تحمل الميكروفونات والتي تطالب الناخبين بضرورة ممارسة حقهم الدستوري والتوجه إلى اللجان الانتخابية والإدلاء بأصواتهم لصالح مرشح معين، كما لجأ بعض المرشحين المستقلين إلى استغلال شعار جماعة الأخوان المسلمين (الإسلام هو الحل) من أجل الحصول علي أصوات الناخبين في الدوائر المعروف عنها ميلها للتيار الإسلامي في التصويت، رغم أن هؤلاء المرشحين لا ينتمون إلى الإخوان المسلمين، مما جعل أعضاء الجماعة يكتبون في دعايتهم (الإخوان المسلمين) مباشرة رغم أن الجماعة غير معترف بها رسميا وتعتبر من الناحية القانونية (محظورة)، عكس الانتخابات الماضية حيث كان يكتفي بكتابة شعار (الإسلام هو الحل) للتأكيد انتماء المرشح إلى الإخوان المسلمين .