صحيح أنه، ما آفة الأخبار إلا رواتها.. قبل ثلاثة أسابيع تقريباً نقلت وكالة الأنباء الألمانية «د.ب.أ» خبراً مثيراً للغاية تقول فيه إن الكاتبة ناتانا ديلونج الأستاذة بجامعة جورج تاون الأمريكية قد ألفت كتاباً بعنوان «الثورة الوهابية» وبالنص قالت الوكالة: «الكتاب مكون من ستة فصول ويؤكد أن الدعوة للجهاد تعني نشر الإرهاب والعنف، وأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب مؤسس المذهب الوهابي خلق البيئة الصالحة لنشر الإرهاب». وفي موقع آخر يقول خبر وكالة «د.ب.أ»: «إن شيخ الأزهر قد رفض دخول الكتاب لتدريسه في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لأنه ينطوي على إساءة للإسلام والمذهب الوهابي في شبه الجزيرة العربية والعائلة المالكة في السعودية». وقد تملكتني حماسة «أخو من طاع الله» عندما كتبت بعد نشر ذلك الخبر موضوع هذه الزاوية بعنوان «تسييس الثقافة» مفنداً موضوع الكتاب على ضوء ما لخصته الوكالة الألمانية للأنباء.. لكن بعد ذلك تلقيت رسالة كريمة من الأستاذ عبدالملك بن أحمد بن محمد آل الشيخ يوضح لي فيها - وقد سبق أن قرأ الكتاب وتلطف فأهداني نسخة منه - ما يحويه الكتاب من أفكار هي أقرب إلى الموضوعية.. قد نختلف مع بعض الآراء، لكن هناك أخرى ما سوف نتفق معها، وأننا لا نستطيع أن نلغي أي آراء لا نتفق مع معظمها، فالكاتبة في مجمل ما أوردته من أفكار تعتبر قد مارست إنصافاً للشيخ محمد بن عبدالوهاب وقدمت إيضاحاً موضوعياً لمرحلته ورسالته وأفكاره.. في هذا الإيضاح لا أريد أن تظلم الكاتبة في ذهنية أي قارئ وأكون أنا السبب في ذلك نتيجة معلومات خاطئة أوردتها الوكالة، وأيضاً أريد الوقوف على حقيقة أن كلمة «إرهاب» لم تكن متداولة أساساً قبل النصف الثاني من القرن العشرين، وأن رموز نشر هذا التعريف لسلوك العنف التدميري لم يكن بينهم سعودي واحد أثناء تلك الفترة، قبل أن تصل بنا الكوارث إلى مرحلة ابن لادن الأخيرة وحالات الخطف العقلي التي تعرض لها الشباب بترويج الإرهاب على أنه جهاد، مع أننا في مراقبة للتطورات التاريخية لا نستطيع أن نبرئ من أتوا بعد الشيخ محمد بن عبدالوهاب من صفة الركود، والركون إلى أوضاع ومواصفات ومؤثرات عصر مختلفة تماماً عن ما هي عليه الأحوال في عصورهم، مما أساء إلى «تجريد» الشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي لم يختلف مع أي ثقافة أو ديانة أجنبية.. ولكنه اختلف مع الهرطقة العثمانية.