علاقات الدول السياسية توجهها المصالح.. هذا أمر معروف.. قد تفرض المصلحة المشتركة لدولتين تلتقيان في ساحة حرب أن يلتقيا في اجتماع تنسيق وتعاون، ولذا فأنا لا أكتب اليوم عن علاقات المملكة كحكومة.. وكدولة مع حكومات الدول الأخرى.. أمريكا ومن هو مهم في أوروبا أو روسيا والصين جميع هؤلاء يهمهم أن تكون لهم علاقات تعاون مشتركة مع المملكة لأن لهم معها مصالح مشتركة.. ولأن المملكة أيضاً ليست دولة عدوانية وتحارب الإرهاب الذي اعتدى عليها أكثر منهم.. إنني أكتب عن علاقتنا بالثقافة الأجنبية.. ثقافة الغرب.. حيث هناك حرب ضدنا لا توجهها الحكومات، في الماضي كانت حلماً لأي يمين متطرف ثم بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 أصبحت ممارسة فعلية ضدنا وكادت تلك الممارسة أن تطال سلوك الحكومات وعلاقاتها ولكن جهود خادم الحرمين عبدالله بن عبدالعزيز.. أميراً وملكاً حمت تلك العلاقات من التراجع وصححت مساراتها.. نحن نحتاج إلى توغل في مجالات الثقافة والإعلام.. نريد أن نصحح للمواطن القارئ أمريكياً كان أو أوروبياً الحقائق حول ما يطرح له من معلومات وهذا يعني أننا أمام بحر واسع.. بل هائل الاتساع، كيف سيكون بمقدورنا أن نخوض ليس دفاعاً عن الدول - فكما سبق أن اشرت مصالح الدول هي التي توجه علاقاتها - ولكن دفاعاً عن الإسلام كرسالة حضارية كانت هي أنضج الأديان السماوية وأكملها إلى التجريد في تصحيح علاقة الإنسان بربه دون وسائط أو إنصاف أنبياء، وقد وصف الله نبيه بقوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} ولم يرد تحديد المسلمين.. و{يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} هم لا يدركون هذا المفهوم حيث بدأت وسائل الثقافة والإعلام تطرح أمامهم تصورات بشعة عن الإسلام تحرض على كرهه بل ومحاربته. وقد تناولت قبل بضعة أيام كيف استغلوا في صحيفة أمريكية خبراً طريفاً ساخراً عن ما سمي بالتعديلات الإسلامية على كرة القدم.. وأمس الأول نقلت وكالة الأنباء الألمانية خبراً يقول إن شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي - حفظه الله - قد منع دخول كتاب بعنوان «الإسلام الوهابي» كان في طريقه إلى الجامعة الأمريكية في القاهرة وهو من تأليف ناتانا ديلونج الأستاذة بجامعة جورج تاون الأمريكية، يتكون من ستة فصول تزعم أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب قد روج للجهاد لنشر العنف والإرهاب ضد الآخرين، وكانت ستوضع منه ألف نسخة للاطلاع في مكتبة الجامعة الأمريكية.. ويضيف المصدر عن وجود اتفاق بين الجامعة الأمريكية في القاهرة وجامعة أكسفورد، ومؤسسة آي بي البريطانية لطبع الكتاب وتوزيعه في مختلف دول العالم ومن بينها دول إسلامية وعربية.. غريب جداً أن يتوافر هذا التعضيد والتبني لكتاب يحمل هذا المضمون لولا أن هناك استهدافاً ثقافياً إلى جانب الاستهداف الإعلامي ضد الإسلام، ونحن نعرف أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يغير شيئاً في الإسلام لكنه صحح مفاهيم خاطئة كادت تعيد الوثنية وتقديس الموتى وأن الحروب التي شنتها الدولة السعودية الأولى في بداية بروزها لم تكن ضد دول غربية ولكنها دخلت في صراع مع الدولة العثمانية وهي دولة إسلامية لأن العثمانيين أدخلوا على الإسلام كثيراً مما ليس فيه، وأساءوا له في عيون الثقافات الأخرى، ولولا وجوده منتشراً بين الشعوب لانهار مع انهيار خلافتهم، وهم أي العثمانيين من اخترعوا تسمية «الوهابيين» لأن محمد بن عبدالوهاب اختلف معهم ورفض ممارساتهم. إننا نواجه مهمات صعبة لن ننتصر فيها ما لم نتصرف بعقل وبرؤية حوار واعية تصحح المفاهيم الخاطئة.