يشتد الإقبال على صوالين الحلاقة الفاخرة وشبه الفاخرة خلال أيام العيد.. والإقبال يشمل الكبار، والصغار، الشيوخ، والشباب، والأطفال، وليس هذا جديداً مع اقتراب هذه المناسبة السعيدة، لكن الجديد هو ما بين ما يحدث بين بعض الكبار، وبعض الصغار، (بعض الشيوخ، وبعض الشباب) من رغبة عارمة في الحصول على (رؤوس، ووجوه) رشيقة جميلة أنيقة، نضرة في أيام العيد، وفي بقية أيام السنة!. الشيوخ يحرصون على استعادة الشباب داخل صوالين الحلاقة، والشباب يريدون (الزينة) بأي شكل وأي ثمن والعاملون بصوالين الحلاقة يعدون الطرفين بتلبية مطالبهما.. ولم يعد الجداويون يجدون صعوبة تذكر في الحصول على (حلاق ماهر) يقوم بتزيين رؤوسهم (ليلة العيد) أو قبل ليلة العيد أو في اليوم الأول للعيد، بل باتوا يتبادلون الحديث عن أفخر الصوالين وأحدثها وأرقاها وأكثرها ديكوراً وعدة وفخامة وأناقة. السداسي، والثنائي.. وعلى امتداد عشرين عاماً وفد إلينا حلاقون شباب من المغرب وتونس وتركيا يحملون في أيديهم مقصات يزعمون أنها من أوروبا وأن رؤوس السعوديين ستتغير فتبدوا أجمل مما كانت في أيدي من سبقهم من حلاقين مصريين، ولبنانيين، وسوريين، ويمنيين، حيث اعتبر المغاربة والتوانسة والأتراك أنفسهم - في عالم الحلاقة - من المبدعين وإن كان الأتراك أقل حماساً في هذا الشأن من المغاربة، ثم التوانسة. ولذلك نجح الأتراك في الجمع بين الكبار والصغار، بين الشيوخ، والشباب، وكانت طرقهم في الحلاقة أقل - جاذبية - من المغاربة والتوانسة، وكذا سعر الرأس لديهم معقول ويقترب كثيراً من الصوالين الشعبية (15) ريالا للفرد عكس المغاربة والتوانسة الذين يطلبون على الرأس الواحد ما بين 25 ريالاً، إلى 35 ريالاً باستثناء القصات الحديثة، وعمليات التجميل، والتنظيف والتلوين، والتبخير، والتلميع، بحيث ترى الحلاق المغربي فوق رأس الزبون كأنه يقوم بإعادة صياغته من جديد وليس حلاقته..؟ ويذكر الجداويون بكل الخير الجيل القديم من الحلاقين الذين كانوا يعملون في صوالين الحلاقة العادية جداً وهم غالباً من اليمنيين، والشوام، وكان ظهور الحلاقين اللبنانيين في فترة من الفترات بمثابة الطفرة الكبرى وكان من يذهب للحلاق اللبناني يعتبر (من علية القوم) مكانة، ومرتبة، وجاهاً، وقيمة فبينما يدفع الجداوي أجرة حلاقة لرأسه في أكبر المناسبات عشرة ريالات كان الحلاق اللبناني الفندقي يحصل على سبعين ريالاً غير البخشيش وتدريجياً بدأت الأجور تتقارب ما بين اللبناني، والتركي، والمغربي، والتونسي فتتساوى شيئاً فشيئاً، وانسحب اللبناني من السباق، أو أنه تفرغ لصالونه في الفندق وبقي (السداسي: المصري، واليمني، والتركي، والهندي، والبنجلاديشي، والباكستاني) وهم الأقرب لذوي الدخل المحدود من غيرهم، وجزء كبير من هؤلاء موجودة صوالينهم في جنوبجدة، وجزء من شمال جدة - الشعبي - أو أن تكون هذه الصوالين موزعة على الأحياء الشعبية بشكل يجعل الصوالين الفاخرة علاقة فارقة..؟ ويصعب حصر دكاكين وصوالين الحلاقة في مدينة جدة من جنوبها إلى شمالها، ومن غربها، إلى شرقها ذلك أن أعدادها تزداد وأسماءها تتغير، وتتبدل وكذا مواقعها، وأماكنها، وتقاربها يؤدي إلى هذه الصعوبة فقد تجد في شارع الهنداوية جنوباً ثلاثين دكان حلاقة (من النوع العادي) وتجد في شارع حراء شمالاً ثلاثين صالون حلاقة (من النوع فوق العادي) فيتبادر إلى ذهنك أن من يسكن هذين الشارعين - على وجه الخصوص - تنمو شعورهم أكثر من الفرنسيين والإيطاليين، وأن وجود صوالين بهذا العدد الكبير في شارع واحد هو لتحقيق رغبة السكان في التخفيف من شعورهم التي لا تتوقف عن النمو، أو أن مكاسب الحلاقة هي أكثر من أي تجارة أخرى لذلك تنتشر هكذا..! 500 حلاق سعودي في الهواء الطلق وأضخم مفاجأة صحفية واجهها الزملاء قبل ثلاث أو أربع سنوات قدوم خبر على الفاكس يقول إن هناك 500 شاب سعودي متخرجين من معهد الحلاقة سيلتحقون بالعمل صيفاً في عدد من الصوالين الحديثة في جدة، وغيرها وكنا في إجازة الصيف. وطار الزملاء من الفرح، فهم من ناحية سعداء بأن يكون هناك 500 شاب سعودي يعملون في هذه المهنة بتدريباتها الحديثة العالمية، وهم سعداء من ناحية ثانية بأن يجدوا - إذا ذهبوا إلى صوالين الحلاقة التي انتشرت في المدينة انتشار النار في الهشيم - أن يروا بأعينهم وجوها محلية مائة في المائة. ونشر الخبر المفاجأة في عدة وسائل صحفية نتيجة تكرار إرساله إليها عبر الفاكس ثم مضى الصيف الأول ومضى الصيف الثاني، ومضى الصيف الثالث دون أن يلمس - أبناء البلد - حضوراً أو وجوداً للوجوه الشابة المحلية المؤهلة والمدربة التي أعلن عنها وبعد فقدان الأمل في ذلك فإن الأمل الآخر كان في وجود شباب سعودي يعمل في هذه الصوالين الحديثة والكثيرة (إدارياً) أي أن يسري اعتقاد بأن هناك إدارة سعودية من قريب أو بعيد تشرف على هذه الصوالين وتدير دفتها، أم أن هذا الأمل - هو الآخر - صار سراباً، أو شيئاً من السراب؟.. وإذا كان سوء الحظ قد حرم صوالين الحلاقة الحديثة جداً، والفخمة جداً، والأنيقة جداً من اشتغال عدد من هؤلاء الشباب السعودي - المؤهل والمدرب - فإن حسن الحظ لم يحرم هذه الصوالين من (اندلاق) هؤلاء الشباب السعودي عليها من الراغبين في أحدث القصات، وأجمل الصبغات، وأنعم التنظيفات فلا أحد من غير هؤلاء الشباب قادر على دفع (100) ريال إلا هم، وهم يضيفون هذه المائة إلى البنود الأخرى التي ترهقهم خاصة وأن العدد الأكبر منهم عاطل عن العمل أو في حكم العاطلين إذا كانت هناك ميزانية لتجميل الرأس، والوجه تتجاوز أسبوعياً المائة ريال، وهو ما زال في مقبل العمر لكن (الصرعات) الجديدة التي تتلبسه من هنا، وهناك تحدث بدورها هذا الخلل، وفقدان التوازن. المهنة دخلت «الحظر» وتجدر الإشارة أن هناك اتجاهاً لقصر مهنة الحلاقة على السعوديين من خلال ايقاف الاستقدام على هذه المهنة، وغيرها من المهن التي يعمل بها الاخوة والاصدقاء الوافدون مثل أعمال السباكة والكهرباء، والخياطة، والبقالات والمطاعم، والمخابز، وكلها - أو على الأصح - معظمها كان السعوديون يديرونها ويعملون بها وسعداء بما يحصلون عليه من دخل منها (لو لا أن اقبلت أيام الطفرة) فجعلتهم يهجرون هذه الأعمال ويتوهون في دروب الحياة وطموحاتها وأحلامها، ويتمسك بهذه المهن من يتمسك ممن نأتي بهم من وافدين من خارج الحدود كما هو الحال منذ سنوات وإلى الآن. وطالما ان مهنة الحلاقة دخلت أو ستدخل الحظر في موضوع الاستقدام فإن المطلوب من الآن البحث والتقصي السريع عن الخمسمائة حلاق سعودي المختفين في ظروف غامضة بكل تأكيد لأنهم لو اختفوا في ظروف عادية لأمكن معرفة أماكنهم، واتجاهاتهم أما أن يختفوا بالكامل هكذا فإن المطلوب بالفعل هو البحث والتقصي عنهم، ولا يمنع أن يعملوا في صوالين حلاقة وإلى جانبهم مساعدون من جنسيات مختلفة، ولا يمنع من وجود سعوديين يشرفون على هذه الصوالين وأن لا نترك الأمور بالكامل للغير، وأن نتحول باستمرار إلى زبائن درجة أولى أو درجة ثانية أو درجة ثالثة. لقد سألت - بالمناسبة - عدة حلاقين توانسة ومغاربة، وأتراك - سلمتهم رأسي مراراً عن المدارس الأوروبية والمعاهد العالمية التي تخرجوا منها حلاقين فأكدوا إليّ جميعاً أنهم لم يتخرجوا من مدارس أو معاهد وأنهم شربوا الصنعة من معلمين اشتغلوا عمالاً لديهم. وتمت ترقيتهم إلى مساعدين ثم حصلوا على تأشيرات حلاقين درجة أولى أو ثانية أو ثالثة فهناك وقت وفرصة لأن يصبح - عندنا - درجة أولى..