مع بداية العد التنازلي لموعد الانتخابات العراقية في الثلاثين من كانون الثاني الجاري وتصاعد وتيرة العنف ضد المراكز الانتخابية، والمسؤولين عنها، كثفت الجهود السياسية والمحلية والدولية من أجل اقناع القوى المعارضة بإجرائها والمشاركة فيها.. ولتسليط الضوء على وجهة نظر أكبر جهة دينية عراقية تنتقد وتقاطع الانتخابات التقينا بالدكتور حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين في العراق، وكان لنا معه هذا الحوار: ٭ تحاول العديد من وسائل الإعلام تصوير مقاطعة الانتخابات على انها مقاطعة طائفية؟ ما هو تعليقكم على ذلك؟ - مقاطعة الانتخابات هي مقاطعة وطنية وليست طائفية كما يريد أن يصورها البعض، أما بالنسبة لهيئة علماء المسلمين، فهي ليست مقاطعة للانتخابات فقط وانما هي مقاطعة لكل التشكيلات الرسمية التي نشأت في ظل الاحتلال، كمجلس الحكم الانتقالي السابق والحكومة المؤقتة الحالية، والمجلس الوطني المؤقت وهي تقاطع الآن الانتخابات القادمة من منطلق مبدأي وأنها لا تشارك في أي عملية سياسية في ظل الاحتلال أما غيرها من القوى الوطنية، وأقول القوى الوطنية من كافة الانتماءات والتوجهات، أهل السنة أغلبهم يقاطعون فهناك سنة يقاطعون وهناك سنة سيشاركون، وهناك شيعة سيقاطعون. نعم أغلبية السنة تعارض واقليتهم ستشارك، واغلبية الشيعة تشارك والكثير من اطيافها ومرجعياتها وقبائلها لا تشارك، وهناك ايضاً غير المسلمين. فهناك احزاب مسيحية لا تشارك، وهناك أحزاب إسلامية وعلمانية لا تشارك، وبالتالي فالمقاطعة مقاطعة عراقية وطنية وليست طائفية كما يريد أن يصورها البعض، وأسباب المقاطعة متعددة منها يعود الى الممارسات التعسفية التي تقوم بها سلطات الاحتلال منذ احتلال العراق والى يومنا هذا من قتل وعسف وتدمير للمدن واعتقالات.. الآن مئات من المعتقلين يقبعون في سجون الاحتلال ويومياً يقتل على أيدي قوات الاحتلال والقوى المتعاونة معها العشرات من خلال الدهم والقتل العشوائي والمتعمد في الطرق الآن وأنا عائد في الطريق رأيت دبابة فوق سيارة صغيرة ومردت من فيها، ولم ينج منها إلا واحد معصوب الرأس. هذه المشاهد تتكرر يومياً، ثم ما حدث من اجتياح لمدن عراقية عديدة، كربلاء والنجف والكوفة ومدينة الصدر وتلعفر وسامراء وأخيراً الفلوجة.. الفلوجة المأساة التي مر عليها اليوم ما يقرب من شهرين أو يزيد قليلا، فهي تشهد عمليات عسكرية وتهديم وتدمير لكل مظاهر الحياة فيها. وقوات الاحتلال ذاتها والقوات المتعاونة معها، والحكومة المؤقتة جميعاً ذكروا أن هذه الأعمال وهذا التدمير وهذا التخريب، وهذا القتل كله يراد منه التمهيد للانتخابات الحرة الديمقراطية والتي يقول عنها بالأمس بوش، انها انتخابات ديمقراطية سيعرب فيها العراقيون عن عقائدهم وآرائهم، هكذا قال بوش في واشنطن، أما ما يجري في العراق فهو شيء آخر وأنتم في العراق وترون ما يجري. كيف إذن سيشترك الغيارى من أبناء الوطن والشرفاء الذين تنادوا إلى مقاطعة الانتخابات بعد اجتياح الفلوجة وما رأوا فيها من تدمير واللا احترام للإنسان العراقي ولا للقيم ولا للدين.. قتل الأسرى والجرحى في أي مكان وحتى في بيوت الله ورأيتموهم كما رآهم الملأ جميعاً. كيف ينتخب العراقيون، أو يدخلون الانتخابات وهم يعلمون سلفاً أن كراسي المجلس الوطني، أو كما يسمونه مجلس الأمة القادم، قد وزعت سلفاً بطريقة المحاصصة فما الانتخابات القادمة، إلا انتخابات هزلية وشكلية يراد منها إعطاء الشرعية، أو تشريع المجلس الوطني القادم ومن ثم إعطاء الشرعية للحكومة القادمة وهي بالتأكيد ستأتي على الأرجح بحكومة هزيلة وضعيفة لأنها حكومة تنشأ في ظل الاحتلال، والتاريخ كله يقول ان كل حكومة نشأت في ظل الاحتلال هي ضعيفة ومستجيبة لأمر من عينها أو أعانها أو نصبها. ولذا، فالعراقيون يخافون أن تنتج عن هذه الانتخابات حكومة ضعيفة ستوقع على كل الطلبات التي ستقدم لها من قبل سلطات الاحتلال، كالقواعد العسكرية، والحماية الأمنية للعراق، وزجه في معارك مع دول الجوار من خلال هذه الحماية الأمنية، ثم الاعتراف بإسرائيل، ثم الخصخصة، ثم ترسيم الحدود، فالموافقة على الالتزامات المالية التي كبل فيها العراق رغم أنفه على يد النظام السابق الذليل. ٭ فيما لو استمرت أعمال العنف إلى أكثر من سنة، هل تعتقد أن طلبكم بتأجيلها لمدة ستة أشهر سينفع العملية السياسية؟ - نحن لم نطلب بتأجيل الانتخابات، نعم.. الحزب الإسلامي العراقي طلب ذلك، وعندما لم يلب طلبه انسحب.. وأغلب الذين قاطعوا الانتخابات وهم يزيدون على الستين أو السبعين جمعية حزبية وسياسية وجمعيات وشخصيات وطنية من الداخل والخارج ومن كل الأعراف والمذاهب الموجودة في العراق، بسبب أنهم يريدون وقبل دخول الانتخابات التزاماً من السلطات الأمريكية تعلن فيه جدولاً زمنياً لنهاية احتلالها معترفاً به من الأممالمتحدة وبإشرافها وبمشاركة قوى دولية أخرى محايدة. ٭ قمتم بجولات خارج العراق أنتم وعدد من السادة أعضاء الهيئة، ما هو رأي المسؤولين في هذه الدول وخصوصاً الجامعة العربية، الأممالمتحدة، ويقال الآن ان هناك محاولات عربية لترتيب الأمور والأوضاع بشكل هادئ فيما يتعلق بالانتخابات؟ - أولاً، بالنسبة لجولاتنا لم تكن تتعلق بموضوع الانتخاباتلأنها كانت قبل اشكالية الانتخابات، انها كانت لاطلاع الاخوة المسؤولين في دول الجوار أو غيرها بما يدور في العراق، لأنهم كانوا يسمعون من جانب واحد ولم يسمعوا كلمة الشعب العراقي المغلوب على أمره، فخرجت وفود من الهيئة منها كنت أنا فيها، وغيرها لم أكن فيها.. لهدف واحد هو اطلاع الاخوة العرب والمسلمين في دولهم على ما يجري في العراق والطلب منهم في أن يلحوا على الاحتلال لكي يعطي أملاً للعراقيين بالرحيل عن بلدنا في يوم من الأيام، هذا كل ما كانت تهدف إليه هذه الوفود، وللعلم فإن وفودنا قد تعطلت قبل رمضان نظراً لمشكلة الفلوجة وما تلاها من اشكالات، اما بالنسبة للاخوة العرب، فنحن نقدر العرب وغير العرب وكل الأصدقاء الصادقين نقدرهم وبالامكان الاستجابة لهم إذا كانت طلباتهم ونصائحهم تصب في مصلحة بلدنا وبالشكل الذي نحن نراه وليس بالشكل الذي يرونه هم. اما إذا كانت طلباتهم على حساب مصلحة بلدنا فنحن لن نستجيب لأحد، لأن الكل مسؤولون عما يعانيه العراقيون. ٭ تشير بعض المصادر وهذا ما أكده عدد من المسؤولين العراقيين إلى دخول عشرات وربما مئات الآلاف قد دخلوا العراق من خارج الحدود وقد يشاركون في الانتخابات بوثائق مزورة.. هل لديكم معلومات عن هذا الموضوع وهل تؤكدونه؟ - هذا الموضوع كثر الحديث عنه، وقد يكون فيه شيء من الصحة، نحن حقيقة لم نر شيئاً من هذا، لكن لا هذا ولا غيره من التهويلات أو التخويفات، مثل التي أطلقها كولن باول قبل أيام حينما قال إذا لم يشارك السنة فإن الحكم سيأخذه الشيعة!! أنا أقول لكولن باول، ولكل المروجين لما يسمونه بالانتخابات، انها مؤامرة... الانتخابات مؤامرة على الشعب العراقي وعلى استقلاله وعلى حريته.. لكن للأسف ان الكثير من أطياف شعبنا غير واضحة لهم الرؤية أو أن تغليب المصالح هو الدافع الأساسي. وأنا أقول لكولن باول ولغيره، ليأخذ الحكم اخواننا الشيعة، لأنهم أبناء العراق وليأخذوا الحكم إن كانوا هم فعلاً الأغلبية.. لكن الذي نريده من كولن باول وغيره أن يغادروا من العراق وبالتالي فإن السنة والشيعة هم أبناء العراق وسيتفاهمون على إدارة شؤونهم بأنفسهم وسيسامح بعضهم بعضاً كما أداروا شؤونهم في عام 1920 بعد مجيء الحكومة الوطنية العراقية والتي تسامحوا فيها وبنوا دولة وشيدوا نظاماً كان هو الأفضل من كثير من الأنظمة المعاصرة له في ذلك الوقت. فالعراقيون لديهم القدرة في أن يعيدوا بلدهم إلى سابق عهده، وان يديروا شؤونهم بأنفسهم دون وصابة من أحد. ٭ ثمة عمليات مدبرة ومنظمة لاغتيال العلماء من أهل السنة من الذي يقف وراءها؟ - تقف وراء هذه العمليات جهات عديدة، أولها الاحتلال وهذا الأمر وضح للعيان، فقبل أيام اغتيل الأخ الفاضل فيضي الفيضي في الموصل وكل المؤشرات والدلائل تشير إلى أن الأمريكان هم الذين حرضوا عليه، ثم الأخ موفق أمام الملأ قتلوه في بيته، وهناك الكثير، وبالأمس نحن استهدفنا وضربنا بثلاث قذائف وفي وضح النهار، وعلى الأرجح انها صدرت منهم، الجهة الثانية هي الموساد ومن يتعاونون معهم، أما الجهة الثالثة وللأسف فهي بعض الأطراف العراقية المتعاملة مع الاحتلال والتي تريد من خلال أفعالها، أن تصل إلى مصالح وقضايا شخصية على حساب غيرها فهي ترى أنها باستئصالها للآخرين ستزيل عقبات أمام هذه المصالح. ٭ موضوع إعادة النازحين من أهالي الفلوجة إلى مدينتهم، يعد أمراً في غاية الصعوبة، هل تمكنتم من الاتصال بالحكومة العراقية، والجهات الرسمية. لإعادة الأهالي واعمار المدينة. وخصوصا ان وعوداً كثيرة قد سمعناها بهذا الخصوص إلا انها لم تنفذ إلى يومنا هذا ولم نر أي شيء قد تحقق بالفعل؟. للأسف، الحكومة المؤقتة، عنوان فقط، بل كانت جسراً عبرت عليه القوات الأمريكية لتدمير المدن العراقية وفي مقدمتها الفلوجة، ولذلك فالحكومة العراقية لا يؤمل منها أي خير، فهي لم تقدم شيئاً، وليس لديها أي حل لمشكلة الفلوجة، فهي اعلنت قبل أيام بتعويض اصحاب الدور نصف المهدمة ب (2000) دولار والمهدمة بالكامل ب (4000) دولار، وكان مجرد كلام للإعلام وهو مبلغ زهيد وانا أنصح اخواننا أهل الفلوجة ان لا يستلموا مثل هذه المبالغ الزهيدة، لأن كل بيت قد يستحق (250) مليون دينار او(300) مليون دينار، سوّي مع الارض بكل ما فيه من محتويات ومقتنيات، فهل من الانصاف أن يعوض ب (4000) دولار، اذاً فإن اهل الفلوجة الآن منسيون من قبل الحكومة ومن قبل سلطات الاحتلال التي تطالبنا بتنفيذ رغبتها بدخول الانتخابات وهي لا تستمع لاصواتنا عندما قلنا:لا تهاجموا الفلوجة، وهجوم الفلوجة ليس امراً سهلاً عليكم وعلى غيركم، لأن الثأر يولد الثأر، والهجوم على الفلوجة لا ينهي الارهاب كما يسمونه..! وهذا ما تحقق بالفعل، فهل انتهى الارهاب أم ازداد؟ فبالتأكيد انه ازداد، وسيزداد، وكلما ضربوا مدينة فإنه سيزداد اضعافاً. ٭ هل لديكم اتصالات مع علماء الشيعة، وخاصة السيد السيستاني والسيد مقتدى الصدر فيما يخص الانتخابات وقضية الاحتلال وهل توصلتم الى نتيجة بهذا الخصوص؟ - نعم لدينا اتصالات مع بعض المرجعيات، كالسيد مقتدى الصدر والشيخ جواد الخالصي والشيخ البغدادي ومرجعيات اخرى. ٭ ماذا عن عمليات الاختطاف التي تجري في العراق، وما هو موقفكم الشرعي والرسمي في عمليات قطع الرؤوس؟ - موقفنا الشرعي اعلناه منذ الايام الاولى التي بدأت فيها عمليات الاختطاف، وكان هذا الموقف مساهماً في التقليل من هذه الظواهر، بل كان مساعداً في حماية ارواح الكثير من هؤلاء المختطفين، من خلال المناشدات التي قدرها الكثير من الخاطفين جزاهم الله خيراً ومنهم من لم يقدر ذلك فعمد على قطع رقاب بعضهم وقلنا ان الاسلام يحرم مثل هذا الفعل، وهذا قلناه على الملأ واعلن، وكان رد هذه الفئة رداً قاسياً، فتهجموا علينا في الانترنت، وهذه العملية الانسانية، اغضبت الاحتلال واغضبت الحكومة المؤقتة واغضبت بعض القوى المتعاملة مع الاحتلال، وجعلت منها مؤشراً من ان هناك علاقة بين الهيئة وبين هذه القوى.. ورغم الواجب الذي قامت به الهيئة، تكلموا على الهيئة واتهموها بما اتهموها.