حمل عدد مجلة الهلال هذا الشهر "يونيو 2015" ملفاً بعنوان "صعود وانهيار دولة التلاوة في مصر" تضمَّن أربع مقالات على التوالي: "قارئات القرآن في مصر بين الحضور والمنع" لعصمت النمر -تعيد أي المقالة ما ذكر في كتاب "ألحان السماء" "1959" لمحمود السعدني وبعض ما ورد في تقارير صحفية- والمقالة الثانية "الشيخ محمد رفعت: سيد قراء الزمان" لنصير شمة، والثالثة تحمل عنوان الملف "قيام وانهيار دولة التلاوة في مصر" لنبيل حنفي محمود. وأما الرابعة "أربعة أسباب لتراجع مدرسة التلاوة المصرية لصالح الخليج" لياسمين فراج. وأعرض لعوامل وأسباب قيام وانهيار "دولة ألحان السماء" بحسب مقالتي محمود وفراج. حيث أتابع كل واحد منهما باختصاصه الكتابي في مجال فنون الآداء والأغنيات، ما بين التأريخ عند حنفي، والتحليل التقني عند فراج. هذه الحلقة الثانية. إذا كانت مقالة محمود تحمل نفساً نادباً كما أنها امتداد لكتابه الذي صدر منذ سنوات قليلة "نجوم العصر الذهبي لدولة التلاوة" "2011"، فان مقالة فراج تعبر عن اعتراف بالانهزام الثقافي غير أن واحدة من تينك المقالتين ما استطاعت أن تذكر سبباً مباشراً وإنما رأت في النتائج عوامل وأسباباً. ويبدو أن نباهة الأستاذة فراج خانتها حين استأنست بمقالتي –في الأصل دراسة مطولة- "خطاب التنازع النجدي- الحجازي" المنشورة العام الماضي "موقع معازف" حين نقلت منها أسماء الأئمة والمقرئين السعوديين والكويتيين بينما لم تدرك مسار تطور القراءات وتفاضلها الذي جاء من مصر لا سواها. إذ لا يمكن -بحسب محمود- أن تكون لجنة اختيار القراء بسبب محسوبيتها أن تكون سبباً فهي لا تخلق الموهبة ولا تسهم أبداً في تعليمها وتثقيفها وبناء أدائها وخبرتها، وهو يؤرخ إلى قيامها منذ نهايات القرن التاسع عشر أي أنهم خريجو المؤسسات التقليدية كالكتاتيب كما أن استهتار الحضور المستمعين ناتج عن عدم احترام القارئ نفسه لمتطلبات القراءة ومناسبتها ومكانها. في حين انه لا يكفي رَمْي السبب على هيمنة مدرسة فقهية بسبب تحكم ملاك القنوات الفضائية كما في عامله الثالث أو كما تذكر فراج في سببها الرابع، ولا يمكن إرجاع الأمر إلى هيمنة جماعات إسلامية بما تتبع إليه من مذهب ديني بحسب ما يراه محمود ونهاية إلى ما تقوله فراج عن هجرة المصريين الموقتة والدراسة في الجامعات الإسلامية السعودية الذي يلزم بدراسة تأثر هجرات عربية موقتة أخرى على ثقافاتها المحلية أيضاً لبنان مثلاً أو المغرب أو اليمن أو شعوب دول تدين بالإسلام هاجرت موقتاً أو درست أيضاً مثل باكستان أو اندونيسيا وسواها. هاتان المقالتان جديرتان بالاهتمام لما قدمتاه من محاولة لمعاينة العوامل والأسباب غير أن صياغة الأسئلة هي طريق البحث الجاد لا توهم النتائج أن تكون أسباباً وعوامل. فقد أعددت دراسة ل"موقع معازف، 2014" تتناول تاريخ وتحولات علم القراءات ومدرسة التجويد بالإضافة إلى مدرسة فرعية هي مدرسة الآذان والإقامة والتكبير والتثويب في التاريخ الإسلامي حتى عصرنا الحالي. إذ يصعب الخلط بين وظيفة تأخذ بعداً إدارياً وتنظيمياً أو توارثياً أي وظيفة الإمام والمؤذن في المساجد والجوامع وبين مهنة القارئ الذي وإن استطاع الإمامة في الصلوات المفروضة غير أن متطلبات القراءة تتوافق مع مناسبات دينية لا يتولاها سواه منذ تكريسها الرسمي في العصر الفاطمي والمملوكي والمغولي والعثماني، مثل: أيام الجمع وليالي شعبان ورمضان وأيام الحج والمآتم والعزاء والموالد. وحين يدرك بأن الموهبة الصوتية تمكنه من القراءة والآذان والإمامة في حال تكليفه إلا أنه متمكن من الإنشاد والغناء معاً هذا ما اتبعته الطرق الصوفية التي بقدر ما أفادت من العلوم النظرية الموسيقية والمهارات في الأداء والعزف وتوارث الأرشيف الغنائي من الشعر المغنى والألحان والإيقاعات من جماعات الغناء العربي. ونكمل الأسبوع المقبل..