لماذا رسم فان كوخ نفسه بقبعة على الرأس وبملابس أنيقة، وفي سيرته ما يوحي بعكس هندامه المسجل في هذه الوثيقة التاريخية. الأفلام التي أُنتجت عنه، وضع مخرجوها هذه اللوحة أمامهم، ولم يتبينوا منها سوى تلك الأشعة الحادة التي تخرج مثل الأخاديد من وجهه. أما شفته المزمومة فهي تتناغم مع نظرته الحزينة، ولا تعبر عن غضب قدر ما تنقل إحساساً بالإحباط. صورة فان كوخ هذه التي كتب عنها النقاد كثيراً وربطوا بينها وبين شخصيته الحقيقية، تعرض بين 60 عملاً لأهم الفنانين العالميين الذين رسموا أنفسهم منذ عصر النهضة حتى يومنا هذا. مكان العرض الكاليري الوطني للبورتريت الشخصي بلندن. بين الأعمال المعروضة صورة رامبورانت الشهيرة، وصورة لفريدا كاهلو التي أضفت على البورتريت الشخصي، ملامح من أساطير المكسيك وطقوسها الروحية، وهي أقرب إلى الثيمات في حكاية عمرها المهددة بالانتهاء والخسران. هل تعبر تلك اللوحات المعروضة للفنانين عن موضوع واحد، أي حب تخليد الذات ونرجسية الفنان؟. إجابة الصور ذاتها مختلفة، فهي ترتبط بالمرحلة الفنية التي يعايشها الرسام وبمزاج الفنان ذاته. ممثلو عصر النهضة تصل المحاكاة عندهم درجات تتفوق على الشخصية في قوة حضورها كحالة فنية، في حين تبدو صور التعبيريين على درجة من الضعف والاختلال، وينتهي اقتراب الصورة من الواقع في المرحلة التكعيبية لتتحول إلى رموز. المعرض يقدم نماذج مختلفة بينها صورة شخصية لرينولدز الفنان الانكليزي ومنظّر عصر النهضة، الذي صاغ مطارحاته حول الفن من فكرة إحياء الكلاسيك. كذلك لوحة وليم هوغارث المعروفة، وهو أيضاً منظّر وفنان انكليزي ولكن في لوحته التي تظهره بطرحة النوم نجد تلك الانعطافة في تصوير الذات، من الأبهة إلى الانطباع والبساطة في اللباس. بعض الفنانين يصورون أنفسهم حتى من خلال صور النساء، كما فعل دافينشي مع مونوليزته، وبعض المحدثين يصورون أنفسهم عراة كما فعل ستانلي سبنسر. تلك سنن الفنانين في اختلاف مشاربهم. في الوقت نفسه يعرض الرويال اكاديمي أعمال أكبر رواد الفن التعبيري النرويجي أدفار مونخ الذي كان له الأثر الكبير في حركة التعبيريين الألمان. معظم لوحاته تدور حول موضوع الذات والبورتريه الشخصية، وهي تترجم آلامه ومعاناته الشخصية، وربما تكون لوحته الأشهر «الصرخة» هي المعبرة عن ذاته لا عن عالم كان يطل على هاوية الحروب كما كتب النقاد.