رحم الله الشيخ علي الطنطاوي وجميع أموات المسلمين. أبناء جيلي يذكرونه جيداً ويحبون طلته البهية وحديثه الحلو وسماحته الحكيمة، أذكر أنه تحدث في التلفزيون جواباً على سائل يستنكر نشر كتاب معين نسيت اسمه الآن، فقال الشيخ وهو يبتسم تارة ويصلح الغترة تارة: يا بني، حين كنت إماماً في جامع كبير بدمشق، وكنت مثلك شاباً لا أدرك أبعاد الأمور، كان قد أُعلن أن (منيرة الهدية) المطربة سوف تزور الشام وتحيي حفلة غنائية، وكانت تلك المطربة سيدة الغناء في ذلك الوقت، قبل أن تشتهر أم كلثوم، وكانت كلمات أغانيها فيها خلاعة، وحركاتها وهي تغني كلها دلع ومياعة، فاعتلوتُ المنبر في خطبة الجمعة، وصحت بالناس محذراً: انتبهوا ...! ... اسمعوا وعوا.. غداً أو بعد غد ستأتي هذه المطربة الخالعة المائعة المسماة (منيرة المهدية) وتملأ فضاء الشام بكلمات أغانيها التي تخدش الحياء، وسوف تتمايل بقدها الممشوق وتهز جسدها وتبرز مفاتنها، فالحذر الحذر من حضور حفلتها أو السماح لشبابنا بشراء تذاكرها..! فإنها مفسدة للدين والأخلاق! وواصلت الهجوم عليها والمطالبة بمنعها وليتني لم أفعل!.. إذ لم يكد الشباب يخرجون من الجامع حتى تسابقوا لشراء تذاكر حفلتها حتى نفدت التذاكر في يوم، وبيعت في السوق السوداء بعشرة أضعاف ثمنها!!. كنت أعمل لها (دعاية هائلة مجانية) من دون أن أدري! كنت أظن أنني سأصرف الناس عنها فصرفتهم إليها!.. فكل ممنوع متبوع.. وكل من تتم مهاجمته تتضاعف شهرته!. هذا معنى كلام الشيخ الطنطاوي - رحمه الله - رويته من الذاكرة.. وهو كلامٌ سليم حكيم.. امنعوا ما يمكن منعه ولا تعملوا (دعاية مجانية) بمهاجمة ما هو مسموح أو ممنوع، أهملوا ذكره، وأذكر أن الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله رحمة واسعة - سئل: لماذا تُمنع بعض كتبك وأنت وزير؟! فقال: هذا المنع خير.. ما مُنع لي كتاب إلا طبعته مراراً لاشتداد الطلب عليه بمجرد ما يعرف الناس أنه (ممنوع)!.