بغياب بدر كريّم يكون الوطن قد خسر قامة وطنية حلقت بصوتها الرخيم عاليا فوق سماء الوطن هو د. بدر بن أحمد كريم -رحمه الله-.. يعد كريّم شاهداً على مرحلة تاريخية مهمة في تاريخ المملكة واسماً لامعاً لرواد الإعلاميين وقامة وطنية أضافت إلى سجلها إنجازات مكافح رسم ملامح الطريق إلى المعرفة وحب العلم. وخص نفسه بشيء يميزه كإعلامي وهو إتقانه للعمل ودقته في انتقاء مواده وترك وراءه مسيرة مهنية ناصعة فسطر اسمه بحروف وضاءة في الصفحات البيض للذاكرة السعودية من برنامجه الإذاعي «طلابنا في الميدان» كان حلقة وصل في زمن يصعب التواصل بين المبتعثين وأهاليهم وقد حرك هذا البرنامج شجون أبناء ذلك الجيل وكان محركاً عاطفياً للكثير لمواصلة دراساتهم العليا في الخارج. لم يكن كريّم مقطوعا عن الهموم الواقعية للمجتمع السعودي ولم يسخّر برامجه لموضوعات نخبوية خارج اهتمامات المواطن البسيط بل المواطن أولا وأخيرا وهو الذي طالب بإنشاء قناة سعودية شبابية، وأكد على أهمية وجود هذه القناة، وتوجيه خطابها للشباب، وطرح قضاياهم؛ لحمايتهم من تيارات العنف والتطرف والانحلال. وقال كريّم: «إن التحديات التي تواجه الشباب الآن تختلف كثيرا عما كنا نواجهه من قبل، فلم نكن نعرف في السابق أن هناك شبابا يتعاطون المخدرات، وشبابا منحرفون، وآخرون تتنازعهم التيارات المتشددة والمنحرفة». ذكر الدكتور محمد الحيزان بأن الفقيد كان ينتقي مواده الإعلامية بعناية، ويرسم لها الهدف لتحظى بالتأثير الذي يتوخاه كل إعلامي حقيقي مضيفا: «عندما كنا أطفالاً، وأيام أن كان للإذاعة شأو كبير، كنا نترقب الساعة العاشرة من صباح كل جمعة، لنشنف آذاننا ونصغي أيما إصغاء لصوته الرخيم، في برنامجه الشهير، والشهير جداً: (تحية وسلام)، ذلك البرنامج ذو الأهداف الاجتماعية والتربوية القيمة، حيث كان يهاتف أحد الطلاب المبتعثين للخارج، ليحاوره محاورة هي الأجمل والأروع، ممكناً أهله والمجتمع من الاستماع إلى صوته في وقت كان الهاتف عمله نادرة، ربما لم يكن يعلم بأنه قد بث في نفسي، كما كان الحال مع بقية الأطفال، وبكل براءة الرغبة في مواصلة التعليم في الخارج، حتى أحظى بلقاء إذاعي مثير معه، حيث أبدع في إعطائنا إحساساً بأهمية ضيوفه ودورهم في المستقبل، ذهبت إلى الخارج، وانتظرته عبر المايكروفون بفارغ الصبر، لكنه انتقل إلى مهمة أخرى». حياة الراحل كانت صورة حقيقية للنضال الوطني وصوته الذي كان مضمدا لجراحات الوطن في مرحلة تاريخية حرجة صدح عاليا في سبيل دفاعه عن وطنه وشعبه. وقد نبع ذلك من إيمانه العميق بأن إعلاما بلا عقيدة إعلام فارغ. يذكر بأن الرائد بدر كريم ولد عام 1355ه/ 1935م بمحافظة ينبع وعمل عام 1954م موظفاً بجوازات محافظة جدة ثم مراقباً للمطبوعات بالمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر عام 1957م فمذيعًا بالإذاعة السعودية، حيث أعد وقدم بعض البرامج الإذاعية والمتلفزة عين عام 1980م ثم مديراً عاماً للإذاعة السعودية فمديراً عاماً لمؤسسة مروى للعلاقات العامة والإعلام والإنتاج الإعلامي فمديراً عاماً لوكالة الأنباء السعودية عمل محاضراً في قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض حصل أثناء عمله على الماجستير في علم الاجتماع من جامعة الملك عبدالعزيز عام 1986م كما حصل على شهادة الدكتوراه اختير عام 2001م عضواً بمجلس الشورى السعودي رأس الوفود الإعلامية التي تابعت النشاطات الداخلية والخارجية للملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال. قدّم كريم مؤلفات تعد مرجعا أساسيا لتاريخ الإعلام السعودية وشاهدة على مراحل مهمة فيها منها: «أتذكر»، «قراءة في فلك الإعلام»، «الكلمة المسموعة»، «نشأة وتطور الإذاعة في المجتمع السعودي»، «دور المذياع في تغيير العادات والقيم في المجتمع السعودي»، «الإعلام أدوار ومسؤوليات»، «سنوات مع الفيصل».. اليوم يزداد شعورنا بفقدان الراحل؛ إذ اننا بأمس الحاجة إلى نماذج تسهم في خدمة المجتمع وتسعى إلى تكريس اللحمة الوطنية. د.محمد الحيزان د.بدر كريم