شهدت السنوات الأخيرة متغيرات عدَّة في الحياة الاجتماعية للعديد من أفراد المجتمع، ولعل من أخطرها اعتماد بعض الأسر على العمالة المنزلية الوافدة في رعاية الأطفال والاهتمام بشؤونهم داخل المنزل وخارجه، حيث أصبح من المشاهد المألوفة رؤية بعض الأطفال برفقة الخادمات والسائقين في المطاعم والملاهي والمجمعات التجارية، فيما أوكلت بعض الأسر مهمة توصيل الأبناء إلى مدراسهم للسائق، ولا تخطئ عين المراقب هنا تجمّع أعداد كبيرة من هؤلاء السائقين والخادمات أمام العديد من مدارس البنين والبنات وقت خروج الطلاب والطالبات، بل إنَّ التعامل المباشر مع المعلمين والمعلمات وحضور حفلات التخرج واستلام الشهادات الدراسية أصبح أمراً يُناط بهم في بعض الأحيان، في ظل انشغال بعض الآباء والأمهات في أعمالهم اليومية، لكن أن يصل الأمر إلى حد إرسال الأطفال مع السائقين والخادمات إلى المراكز الطبية والعيادات الصحية والمستشفيات بديلاً عن الوالدين، فهذا بالفعل ما يحتاج إلى أن نتوقف عنده، لأنَّ صحة الأبناء والاهتمام بهم يجب أن يكون لها الأولوية في حياة الآباء والأمهات، إلى جانب أنَّ الوالدين هما الأقدر على وصف الحالة المرضية للابن أمام الطبيب المعالج، وهما أيضاً من يتحملان المسؤولية بالدرجة الأولى تجاه صحة الأبناء وسلامتهم والعناية بهم. ظروف قاهرة ورأت الجوهرة العمار – موظفة -، أنَّه ربَّما تكون هناك ظروف قاهرة تمنع أحد الوالدين من التواجد مع الأبناء، أو أنَّ الأم أو الأب يكونان مضطرين لهذا الأمر، مُضيفةً أنَّ الأمر ليس مجرد تكاسل منهما، ومن ذلك الحالة الصحية لهما أو بُعد مقر عملهما عن المنزل، في الوقت الذي ربَّما ظهرت على الطفل بعض العوارض الصحية في غيابهما، أو يكون هناك موعد لمراجعة الطبيب أثناء وقت الدوام، متسائلةً: "ما الذي على الوالدين فعله في هذه الحالة؟". وحمَّلت جهة عمل الآباء جزءًا من المسؤولية في هذه الحالة، خصوصاً أنَّها رُبَّما كانت لا تسمح بخروج الموظفين أثناء وقت العمل الرسمي، كما أنَّ هناك بعض الجهات التي لا تكون الإجازات مُتاحة فيها غالباً أو يتعنَّت المديرون في منحها للموظف أو الموظفة، لذا فإنَّ الأب أو الأم قد يضطران في هذه الحالة للاعتماد على السائق والخادمة في أداء هذه المهمة نيابةً عنهما، خصوصا إذا كانا يثقان بهما في مرافقة الابن أو البنت. وأضافت أنَّ ذلك ممكن في حال كان العارض الصحي عاديا والمرض بسيط، بيد أنَّ الأمر يختلف تماماً عند حدوث حالة طارئة أو تعرّض الطفل لعارض صحيّ خطير - لا قدَّر الله-، فهنا على الوالدين أن يتركا كل شيء ويهرعا سريعاً لنجدة طفلهما ومرافقته إلى المستشفى. حماية الطفل وأشارت هديل الحميد - معلمة في إحدى المدارس الأهلية - إلى أنَّ ظاهرة مرافقة عاملات المنازل للأطفال إلى العيادات والمراكز الصحية والمدارس في تزايد مستمر، مُضيفةً أنَّه يمكن الكشف بسهولة عن ذلك من خلال زيارة واحدة إلى أيٍّ من هذه الجهات، حيث يمكن رؤية الخادمة وهي تحمل الطفل بين ذراعيها أو تجلس بجواره في انتظار موعد دخوله إلى الطبيب المعالج، موضحةً أنَّ هذا المشهد ينمّ عن عدم الاهتمام من قبل بعض أولياء الأمور بأبنائهم فلذات أكبادهم. ودعت الجهات المعنية إلى إصدار قرار يمنع فحص الأطفال القادمين إلى أقسام الطوارئ برفقة الخدم، متمنية تفعيل هذا القرار وتطبيقه بشكل صارم، مستدركةً: "لكن في حال حدث أمر طارئ أو مفاجئ أثناء غياب الأهل، فهل تنتظر الخادمة أو السائق حتى قدوم أحد الوالدين أو كليهما؟ خصوصاً أنَّ المدة قد تطول بسبب بعد المسافة أو الزحام المروري، وبالتالي فإنَّه من المناسب هنا تقدير الحالة في ثنايا هذا القرار". وأيَّدتها الرأي منال الضويان – موظفة -، مُشدِّدةً على ضرورة إصدار قرار ينص على منع معالجة الطفل دون وجود والديه أو أحدهما برفقته، واصفةً هذا القرار بالصائب، موضحةً أنَّ الوالدين هما أفضل من يشرح للطبيب الحالة الصحية لطفلهما، خصوصاً عندما يكون الطفل مصاباً بالربو أو السكريّ أو غيرهما من الأمراض المزمنة، مُضيفةً أنَّ هذا القرار في حال تطبيقه سيحمي الأطفال من إهمال بعض الأهالي الذين يعتمدون بشكل كبير على الخدم. وأوضحت أنَّ بعض الأهالي –للأسف- يعتمدون على الخدم والسائقين في قضاء حوائج الأبناء والعناية بهم نيابةً عنهم، حيث يتركونهم يذهبون بهم إلى المدارس والمطاعم والملاهي والمجمعات التجارية والمستشفيات غير مدركين خطورة هذا الأمر، لافتةً إلى أنَّ الأم هي من تعرف مرض صغيرها وتطوره والأعراض التي حدثت له، كما أنَّ بإمكانها التفاهم مع الطبيب المعالج بسهولة وفهم المعلومات والإرشادات والتوجيهات التي يُدلي بها وتطبيقها، حيث انَّ الخادمة قد لا تفهم تماماً ما يقوله الطبيب بسبب اختلاف اللغة أو لتدنِّي تعليمها. انتقال العدوى وروت أم بدر الفراج - ربة منزل – حادثة حدثت أمامها عندما ذهبت بابنتها الصغيرة لقسم الطوارئ في إحدى المرات، مُضيفةً: "كانت إحدى الخادمات تجلس بالقرب منّي ومعها طفل لا يتجاوز عمره الأربعة أعوام، حيث بدت عليه آثار الحمى وارتفاع درجة الحرارة، وكان هذا الطفل البريء يُعبِّر عن ضيقه وملله بالبكاء، ولكي توقف الخادمة نوبة بكائه اشترت له عصيرا وبطاطس"، مُضيفةً أنَّ الطفل ما إن بدأ بشرب العصير إلاَّ وانتابته حالة من التقيؤ والاستفراغ الشديدين. وأرجعت الأمر إلى أنَّ الحالة الصحية للطفل لا تسمح بتناوله هذه الأصناف، بيد أنَّ هذه الخادمة ليست أمه لتهتم بأمره، حيث كان أكبر همها إسكات الطفل بأيّ طريقة كانت مهما كلَّف الأمر، مُضيفةً: "لقد أحزنني الموقف في حينه، وكنت أتساءل: أيُّ ظرف هذا الذي منع والده أو والدته عن الحضور مع طفل في هذا السن وبهذه الحالة الصحية الصعبة؟". وأضافت أنَّها تجد في بعض الأحيان أطفالاً مع الخادمات لا يعون خطورة المكان الذي هم فيه، حيث يعبثون بالأدوات الطبية أو يلعبون في ممرات وردهات المنشأة الصحية غير مدركين خطورة إمكانية انتقال العدوى في هذه الأماكن مهما كانت درجة النظافة والتعقيم بها. أعباء إضافية وذمَّ عبدالمحسن الفضلي – موظف - ظاهرة اصطحاب الخدم أطفال مكفوليهم إلى المراكز الصحية، مُشدِّداً على أهمية إصدار الجهات الصحية قراراً يقضي بمنع معالجة الأطفال دون وجود ذويهم، إلى جانب أهمية اتخاذ مثل هذا القرار في مدارس البنين والبنات، التي تحولت مداخل بعضها إلى تجمّعات للسائقين والخادمات، في ظل تقاعس بعض أولياء أمور الطلاب والطالبات عن مرافقة أبنائهم إلى مدارسهم لإيصالهم إليها أو حتى السؤال عنهم سلوكياً ودراسياً. ولفت إلى أنَّ بعض الآباء – للأسف - تقاعسوا عن أداء الأدوار المنوطة بهم في هذا الجانب وأوكلوا هذه المهمة للخادمات والسائقين نيابة عنهم، حيث حمَّلوهم أعباء إضافية فوق أعبائهم، مُضيفاً أنَّ بعض الخادمات والسائقين أصبحوا بمثابة الأبوان الفعليان للطفل، إذ أنَّ الخادمة باتت مسؤولة عن إطعامه ومرافقته أثناء خروجه خارج المنزل وعن شراء احتياجاته، وأحياناً المذاكرة له إن كانت تحمل قسطاً مناسباً من التعليم يتيح لها أداء هذه المهمة. مضاعفات خطيرة وأكَّدت هتون العبدلي - أخصائية نفسية - أنَّ مرافقة الخادمة أو السائق للطفل أثناء وجوده في المستشفى لن يفيده، خصوصاً إذا كان في عمر لا يستطيع فيه التعبير عمَّا يعانيه من آلام أو شرح تاريخه المرضي للطبيب، كحساسيته لأدوية معينة أو غيرها من المعلومات المهمة التي تساعد الطبيب في صحة تشخيص حالته المرضية، وبالتالي فإنَّه من الضروري هنا استدعاء أحد الوالدين أن لم يكن كلاهما، مُضيفةً: "لا أشك أنَّ الطفل هو أغلى وأثمن ما يملكه الوالدان، إلاَّ أنَّ ذلك يجب ألاَّ لا يكون بالمشاعر فقط بل بالأفعال". وبيَّنت أنَّ الطفل في حال تردي حالته الصحية ينتظر الدعم النفسي من قبل والديه، إلى جانب توفير الرعاية له في المنزل، وكذلك توفير المعلومات التي يحتاجها الطبيب المعالج في هذه الحالة، متسائلةً: "كيف يمكن للعاملة أو السائق توفير كل المعلومات المرضية عن حالة الطفل للطاقم الطبي؟ وإذا كان لدى الطفل حساسية من دواء معين – مثلاً -، فكيف يتمكن الطبيب من إعطائه دواءً معيناً قد يسبب له مضاعفات خطيرة كان يمكننا تجنبها لو أنَّ أحد الوالدين تواجد مع هذا الطفل؟". وأضافت أنَّها ضد اتّخاذ قرار يمنع إعادة الطفل المريض دون الكشف عليه في حال عدم وجود والده أو والدته بصحبته، مُشيرةً إلى أنَّ هذا الأمر لا يتوافق مع أخلاقيات مهنة الطب، مُبيِّنةً أنَّ هذا القرار تحديداً لا يتناسب مع الحالات التي تستدعي التدخل الطبي العاجل، أمَّا الحالات الخفيفة التي لا تتفاقم حالتها مع طول الانتظار فيتم عمل الفحوصات الأولية لقياس الأعراض الحيوية للجسم والانتظار لحين قدوم ولي الأمر حتى يتمّ استكمال الفحص الطبي وإعطاء الطفل العلاج المناسب. دور الأم كبير في الاهتمام بصحة الأبناء وسلامتهم والعناية بهم انشغال الأب يدفع الأسر للاستعانة بالسائق إهمال البعض جعل الخادمة مسؤولة عن إطعام الطفل ومرافقته خارج المنزل