كثيراً ما تصادف بالمطار والأماكن العامة هوساً عارماً بالمشاهير، وأتذكر ذات مره فوضى عارمة سادت احد المطارات المحلية بسبب مرور فريق محلي بهذا المطار، وكيف ان المطار برمته قام ترحاباً واعجاباً بهذا الفريق. المشكلة لم تقتصر على المراهقين او الشباب بل شملت كبار السن والبعض من الملتزمين والنساء. يقابل كل هذا الهوس "برود" من اللاعبين وتثاقل في الترحيب وغطرسة وعدم مبالاة في السلام او التقاط الصور لدرجة انني اشفقت عليهم وقلت في نفسي "الله لايبلانا"!! المشكلة ان الامر لم يقتصر على اللاعبين بل شمل السياسيين والمفكرين وحتى المشايخ. واتذكر في احدى سنين الصيف كيف ان اهل القرى تنادوا للقاء "شيخهم المشهور" وازدحم المسجد عن بكرة ابيه للقاء هذا الشيخ اللامع، وكنت اسمعهم يتنادون للسلام عليه بعد المحاضرة لان الهدف ليس ما يخرج من بين شفتيه بل الانبهار بشهرته وبالتالي لا يهم ما يقوله! ولكن هذا الشيخ "خذلهم" عندما خرج من باب الإمام دون ان يلقي بالاً "بالمعجبين! لدرجة انني سمعت احدهم يقول: ماهذا الغرور؟! المشكلة ان هذا الهوس لا يتوقف عند الاعجاب به عند اللقاء بل قد يصل الامر الى درجة اخطر بوضع صوره بغرف النوم واقتناء كل ما يمت له بصلة من اشرطة ومقاطع لدرجة انه يتقمص مشيته وطريقة كلامة والتباهى بحبه! ولربما من شدة الاعجاب قد ينبري مدافعا مناكفا عنه لدرجة الاستماتة ولربما الموت دونه!!! البعض والعياذ بالله يصل لمرحلة يعتقد ان هذا ليس مثل البشر! بل انه يطرح اسئلة في مخيلته مثل هل يأكل مثلنا؟! هل ينام مثلنا؟! هل حياته تشبه حياتنا؟! المشكلة ان هناك عددا من هؤلاء المهووسين يترددون على عيادات التجميل مطالبين بتغيير شكل الوجه او الانف ليصبح مثل شكل الممثل الفلاني او اللاعب الفلاني، ولعل خشم "مايكل جاكسون" لايزال يجتره البعض الى وقتنا الحاضر رغم رحيله عن هذه الدنيا، والامر الادهى ان تقليده لم يقتصر على الرجال بل تعداه الى النساء والشواهد حولنا كثيرة. والهوس بالمشاهير مرده الى اسباب تربوية ونفسية واجتماعية لعل من اهمها غياب القدوات الحقيقية وظهور قدوات "زائفة"، فضلا على اغفالنا لمرحلة المراهقة هذه المرحلة التي تعد مرحلة تكوين الهوية ومرحلة المغامرة والتمحور حول الذات، ولذا ليس بمستغرب ان نجدهم يتعلقون بالمشاهير كالإعلاميين والفنانين والمطربين ولاعبى الكرة. واذا كان الامر بهذا الشكل بين الشباب الذكور فهي بلا شك اشد وطأة بين الفتيات، واكبر دليل تلك الصرخات المدوية التي يطلقنها عند مشاهدة مشهورهن المحبب لدرجة محاولتهن القفز من فوق السياج من اجل "لمسه" للفوز بهذا "الشرف العظيم" والبعض يلسمه للتأكد "فقط" من انه حقيقي مثل بقية البشر والعياذ بالله!! والحقيقة ان ظاهرة الإعجاب بالمشاهير ليست جديدة بل هي قديمه عرفها "ايروتومانيا" بقوله: "قناعات زائفة وغير حقيقية لايمكن تعديلها او تصحيحها بأن هناك مشاعر متبادلة بين المصاب ب"الايروتومانيا" واي شخص اخر من المشاهير، وقد تكون هناك علاقة ايروتومانية مع اكثر من شخص مشهور في آن واحد. ورغم قدم هذه الظاهرة الا انها اصبحت واضحة للعيان في هذا الزمان بسبب مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة (فيس بوك، تويتر، واتس اب، سناب تشات) هذا فضلا على تلك البرامج الجماهيرية التي تعقد بالتلفاز والتي تعزز تعلق المراهقين بالنجوم في شتى المجالات. وقد وصفها الطبيب الفرنسي "دوكليرامبو" بمتلازمة دوكليرامبو، وهي باختصار تهيؤات تصيب الشخص تدرج في حدتها. وقد كشفت بعض الدراسات التي اجريت بالولايات المتحدهالامريكية ان واحداً من كل عشرة اشخاص يعانون من هوس المشاهير مما يجعلهم فريسة سهلة للأمراض العصابية (غير العصبية) كالقلق والاكتئاب ولربما الاصابة لاحقا بالأمراض الذهانية. وهناك دراسة اجريت بجامعة دنفر شملت (600) حالة لمعرفة مدى اهتمامهم بالمشاهير حيث توصلت هذه الدراسة الى نتيجة مفادها ان هناك ثلاث مراحل يمر بها الشخص المهووس بالمشاهير: الاولى تعقب المشاهير، والثانية تركيز قوي من المهووس تجاه هذا المشهور لدرجة الادمان، والثالثة تسمى الحالة البينية المرضية حيث يأخذ الهوس شكلا عدوانيا تجاه المشهور اذا حاول تجاهله. والهوس بمعناه العام يمكن أن يكون مقبولا اجتماعيا متى ما كان في الحدود الطبيعية اي لا يؤثر على المهووس نفسه او يؤثر على من يحب، ولكن اذا كان الهوس مصاحبا بالاكتئاب او مؤديا الى التعاطي للمخدرات بسبب انشغاله بالمشهور اعتقادا انه بذلك ينسى التفكير فيه هنا نستطيع ان نقول انه دخل في المحظور، هذا فضلا عن دخول المهووس في الأوهام وفرط الحساسية، والاندفاع والثرثرة وفرط النشاط ولربما فرط الرغبة الجنسية مع هذا المحبوب ومتابعته للقيام بممارسة هذه الرغبة! وقد يستخدم حيله الدفاعيه من اجل التخفيف من هذا الضغط بالاحتلام في المنام او في احلام اليقظة، وقد يصل الامر الى اقناع من حوله من انه قابل محبوبه ومارس معه مبتغاه! وقد تتفاقم الحالة لتصل للهدر في إنفاق المال من اجل اخذ صور مع المشاهير او اقتناء حاجاتهم، ولربما يصل الى مشاكل مع رجال الامن. ويمكن أيضا أن يدخل المهووس في حالة من التعقيد وفقد البصيرة بسبب افتقاده للحكم والبصيرة. والمريض بالهوس غالبا ما يحس بالعظمة والهوس والارتجالية وسرعة الغضب والعدوانية، وكثيرا ما ينكر وجود أي اخطاء يقوم بها بسبب تسابق الأفكار والتصورات الخاطئة التي تؤدي إلى الإحباط وانخفاض القدرة على التواصل مع الآخرين. وعلاج حالات الهوس بالمشاهير تكون انجع سلوكيا اكثر منه دوائيا رغم ان البعض من المختصين ينادون باستخدام الليثيوملثبيط الحالة المزاجية الكلاسيكية هذا فضلا على البعد عن الكافيين و مشروبات الطاقة والكوكا والتشوكلاته والتي تزيد من طاقة المهووس واندفاعيته. وختاما نقول ان هذا الهوس مرده الى الفراغ الروحي الذي يعيشه الشباب في هذا الزمان مع توفر الحاجات الاساسية، حيث اننا نعلم ان "هرم ماسلو" الشهير حدد هذه الاحتياجات وسلسلها بطريقة علمية منظمة بحيث ان لا تنتقل الى مرحلة الا بعد اشباع الاخرى، ولذا شبابنا في هذا الزمان توفرت لهم كل سبل الراحة واصبحوا فقط يعيشون العشق والهيام والا ماهو تفسيرنا لسيطرة المطربين واللاعبين على عقلية الشباب لدرجة ان طموح الشاب في هذا الزمان اصبح يتمحور حول الطرب والكورة!! وعموما ظاهرة الهوس بالمشاهير محتاجة الى وقفة من قبل المختصين بدراسة نسبة الانتشار بين الجنسين واسباب انتشارها وهل تعتبر حالة مرضية تؤدي الى اعراض قهرية تصل الى الانتحار! يتابع أخبارهم باستمرار المهووس بالمشاهير يتمنى ملاقاتهم والجلوس معهم يصاب بها المراهق للفئة العمرية من 16- 20 سنة