الدعاية والإعلان والترويج والتسويق سلاح ذو حدين، فهي من جهة تحاول كسب أكبر عدد من المتابعين والمهتمين الذين تتوجه إليهم، لكنها من جهة أخرى تقدم صورة زاهية برّاقة «قد» لا تكون أحيانا تعبيرا أمينا عن واقع ما يعلن عنه ويروّج له. قبل بداية شهر رمضان المبارك من كل عام تسعى القنوات الفضائية إلى استقطاب عدد كبير من المشاهدين والمعلنين، وتتفنن في سبيل ذلك في أساليب الترويج والإعلان، وطبيعة الإعلان أن يكون مسوّقا لأفضل ما في الأعمال الدرامية أو البرامج أو المسابقات أو أي نشاط آخر يمكن أن يزيد أعداد المتابعين والمشاهدين وبالتالي يستجلب المعلنين والأموال، هذه حقيقة يكاد يعرفها الجميع بل إن إعلانات الشركات التجارية وغيرها عن منتجاتها - مما يستخدم الإعلان للدعاية لها - تمارس نفس الاختزال والترغيب والجذب الذي تمارسه القنوات الفضائية في الدعاية لبرامجها. مع إقبال تباشير رمضان المبارك لهذا العام ومع نسائم شعبان التي اتشحت بشيء من النسائم التي لطّفت لهيب الصيف الساخن بدأت القنوات الفضائية الترويج لدورتها الرمضانية بشتى أصناف وأشكال ما تحتوي عليه، والمنافسة - كما هو معلوم - تكون على أشدّها في موسم رمضان بين القنوات الفضائية وإن كان هذا خطأ لأنه يحصر الإبداعات الدرامية والبرامجية في شهر رمضان ويحرم المشاهد من مثل هذه المنتجات في باقي العام وتلك قصة أخرى. احتفت قناة إم بي سي بمسلسل «الحور العين» مع غيره من المسلسلات والبرامج والمسابقات التي سعت لتعريف المشاهد بها واستقطابه لمتابعتها، ومرّ الإعلان عن كثير من البرامج والمسلسلات مرور الكرام على كثير من الناس وانتظروها وترقبوها، إلا أن مسلسل «الحور العين» كان له صدىً مختلفا هذا العام، فقد قوبل بهجمة شرسة منظّمة، مارست كل أنواع الهجاء والإقصاء وسعت جهدها بالكتابة في الإنترنت والاجتماع مع بعض العلماء والتأليب على المسلسل في محاولة يائسة لإيقاف عرضه، ووصلت في بعض حالاتها الشاطحة إلى تكفير القائمين على المسلسل بالجملة، هذا مع أن أحدا لم ير المسلسل بل لم ير مشهدا واحدا منه!. وعندما بدأ المسلسل وتوالت الأيام لم يجد الشانئون المتشددون للمسلسل ما يصبون إليه من «مسمار جحا» الذي أطال العويل حوله، وربما طال بهم الانتظار فخفت الهجوم والتجني على المسلسل والقائمين عليه. لكن زوبعة أخرى قامت قيامتها من قبل بعض المثقفين والصحفيين والمتابعين، مركزها أن المسلسل لم يكن كما توقعوا، وأن المسلسل كان يتحدث عن «سعودية بدون سعوديين» كما قال لي مثقف سعودي ذات اتصال عاتب، وربما اشتط البعض فحسب في المسلسل شوفينية من نوع جديد!. لست هنا لأدافع عن مسلسل الحور العين فمخرجه ومنتجه أقدر على ذلك منّي، ولكنني أحاول فهم هذه الزوبعة المثارة حول المسلسل وأسبابها وأحسب أن من أهم الأسباب سببين رئيسيين، السبب الأول الدعاية التي سبقت المسلسل وسعت للترويج له فارتقبه البعض ولم يجدوا فيه ما أملوه وانتظروه وكم في الإعلان والدعاية من جناية!. والسبب الثاني أن حجم الخطّ الديني في المسلسل لم يكن بالحجم الذي ينبغي أن يكون عليه، فقد طغى الخط الاجتماعي على بقية الخطوط (الديني، والأمني). وقد اتصل بي وأرسل لي عدد من الأصدقاء والمختصين يعاتبونني على المشاركة في المسلسل ومراجعة الخط الديني فيه، ويلومونني على ما لا يد لي فيه، ولكنني كنت ولا زلت أعتقد أن المشاركة في مسلسل لا تعني الإقرار بكل ما فيه، كما أن الكتابة في صحيفة لا تحمل الكاتب كل ما يكتب فيها، وكما أن الخروج في قناة لا يعني الإقرار بكل ما يعرض على شاشتها، وإن كان بعض النقد الذي وجه للمسلسل حقيقيا وصادقا فإن البعض الآخر كان فيه جناية وتحامل على المسلسل. وللرد على كثير من الأصدقاء الذين استفسروا منّي وعلى كثير من الصحفيين الذين اتصلوا ليسألوا عن دوري بالتحديد في هذا المسلسل، فإنني أقول إن دوري في المسلسل لا يتجاوز مراجعة الخط الديني كنص مكتوب، فلست «مؤلف» المسلسل كما قالت بعض الصحف، ولست «مؤلف» الخط الديني كما قالت صحف أخرى، فأنا لست مسؤولا عن المسلسل ككل، ولا عن الخط الديني فيما لا يتعلق بالنص المكتوب، ولكنني مسؤول عن أفكار الخط الديني ومصطلحاته وأساليبه التعبيرية، أما بقية المسلسل فلا أحسب أنني أقدر من الأستاذ المخرج نجدة أنزور في توضيح أي لبس وانتقاد يوجه إليه. لست أفشي سرّا حين أقول إن كثيرا من الانتقادات التي تعرض لها المسلسل وخصوصا في خطه الاجتماعي، كنت قد قلتها من أول مرة رأيت فيها المسلسل وحدثت الأستاذ نجدة أنزور عنها قبل رمضان بأيام قليلة، وقد أبدى الأستاذ نجدة رغبة حقيقة في الاستدراك، وكان رحب الصدر في تقبل النقد الهادف والبنّاء. وفي هذا السياق فقد أبدى البعض مقارنة بين مسلسل «الحور العين» الذي يعرض على قناة إم بي سي، ومسلسل «الطريق الوعر» الذي يعرض على قناة أبو ظبي، وانحاز بعضهم للثاني على حساب الأول، وأحب أن أوضح في هذا المقال أنني قد قمت -أيضا- بمراجعة مسلسل «الطريق الوعر» في بعده الديني وأبديت عليه الملاحظات والاقتراحات بتكليف من تلفزيون أبو ظبي، وأحسب أن كلا المسلسلين قد حظيا بالمتابعة والنقد والتمحيص، وهما مسلسلان يشكلان نقطة هامة في محاربة ظاهرة الإرهاب الأعمى ومحاولة إيصال الأفكار التي تحاربه، وحشد التعاطف ضد كل أشكاله وأنواعه، وتوضيح صورته كما هي للمجتمعات العربية، وأحسب أنهما قد أفلحا إلى حد ما في هذه المهمة. وفي ذات السياق يأتي مسلسل «طاش ما طاش» الذي يثير الجدل في كل عام بناء على جرأة طرحه ومصداقيته التي اكتسبها من سنواته الثلاث عشرة التي قدّم فيها واستطاع حتى اليوم أن يستقطب كثيرا من المشاهدين والمتابعين على مستوى العالم العربي وفي منطقة الخليج والسعودية تحديدا، وقد كان لكاتب هذه السطور مشاركة هذا العام في كتابة حلقتين لهذا المسلسل إحداهما عرضت وكانت تحت عنوان «سلطة الجماهير» والأخرى لا أدري ما مصيرها حتى كتابة هذه الأسطر. السلطة تنصرف عند إطلاقها لدى كثير من الناس إلى السلطة السياسية، إلا أن السلطة في الحقيقة ذات أشكال وألوان فمن السلطة السياسية إلى السلطة الاقتصادية إلى السلطة الدينية إلى سلطة الجماهير وسلطة الإعلام وغيرها أنواع مختلفة من السلطات، و«سلطة الجماهير» الحلقة تسعى في فكرتها إلى تسليط الضوء على سلطة الجماهير على متبوعيهم ومن يستمعون لهم، فالجماهير تشكل سلطة على من تمنحه قيادها واتباعها، وإذا كان المتبوع عالماً وفقيهاً كان خضوعه لسلطة الجماهير -مهما قدّم له من الأعذار- أشد خطراً وأكثر فسادا للدين وللجماهير نفسها، لذلك فإنني أحسب أن الحلقة عالجت فكرة مهمة وأساسية في سبيل نقد شريحة من المجتمع تمارس هذه السلطة دون أن تشعر وشريحة تخضع لها وهي تشعر.