لقد كان من أصعب الأسئلة تخميناً في الإجابة عنها هو من سيخلف الامير سعود الفيصل في رئاسة الدبلوماسية السعودية؟ والصعوبة تكمن في الأمير سعود نفسه، إذ كان عليك أن تبعده عن المقارنة لتستطيع التخمين. يقول القائد العسكري الصيني التاريخي سَن تزو، "أعلى فنون الحرب هو إخضاع العدو دون قتال". ولا نشك أن وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وهو اليوم يترجل بعد أن قضى أربعين عاماً كوزير لخارجية المملكة، قد عمل بتلك المقولة أحياناً كثيرة في منطقة قدرها الخروج من الأزمات إليها. فمنذ تأسيس المملكة وظهورها على الخريطة الجغرافية العالمية كرقم مهم في معادلة صعبة اسمها الشرق الأوسط، حرصت القيادة على إظهار الدبلوماسية السعودية بشكل يعكس قدرات هذا البلد، الذي يبدو أن أمامه مهمة صعبة نحو العالم الخارجي، ولم يكن الطريق الذي بدأه الملك فيصل (أمير آنذاك) كأول مبعوث للمؤسس الملك عبدالعزيز ومن ثم وزير للخارجية رحمهما الله جميعاً، سهلاً وممهداً في بلد نفرت منه حتى الدول الاستعمارية فقضى منقطعاً في عزلة إلا من بعض الجوالة المستكشفين أو المستشرقين حتى بدأت المملكة فرض نفسها بين القوى الإقليمية والعالمية. كانت المنطقة العربية في الفترة التي تلت رحيل الملك فيصل –رحمه الله – حبلى بالأحداث التي أدت إلى اختلاطات سياسية كبيرة، وكانت المملكة جزءاً مهماً في حركة التحوّل التي مرت بها المنطقة، ولم يكن باستطاعتها وهي التي للتوّ خرجت من صدمة داخلية لتُفاجأ بأحداث سياسية خارجية من بينها اشتعال الحرب الاهلية اللبنانية، وصولاً إلى اتفاقية كامب ديفيد، كانت المملكة في تلك الفترة بحاجة لعمل سياسي نشط وحركة دبلوماسية دؤوبة، فكان أن عين الملك خالد -رحمه الله-، الأمير سعود الفيصل وزيراً للخارجية بعد أن أصبح المنصب بحكم الشاغر بعد رحيل الملك فيصل، ولم يدر في خلد الأمير الشاب ذي الخامسة والثلاثين ربيعاً، أنه سيواجه مهمة ثقيلة في وقت مأزوم، فما أن بدأ الوزير الجديد يخطو في أروقة الدبلوماسية حتى اشتعلت حرب السنوات الثماني بين العراق وإيران، والتي كان للمملكة دورٌ مهمٌ فيها، ومنها وعبرها كان الأمير سعود الفيصل يجول في أنحاء العالم، لإقناع قادة الدول وبالأخص في عواصمواشنطن وباريس ولندن، إذ إن الحرب التي دارت رحاها لم تكن تعني المملكة فقط، بقدر ما هي مهمة وذات بعد أكثر من سياسي، فقد نشبت بين أكبر مصدري النفط في العالم. الرجل الذي انحنى ظهره منافحاً ومقارعاً لخصوم المملكة وأعدائها، سيُخلّف تركة ثقيلة، ستتعب من بعده لا شك في ذلك ولا ريب، ولعل أبلغ الكلام وأنصفه كلمات خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز التي كانت جلية وواضحة وهو يصف موافقته على طلب الإعفاء بأنها من أصعب الأمور وأثقلها. ويظل من حق أبناء الوطن اليوم على الأمير سعود الفيصل أن يشرفوا بقراءة سيرة هذا الرجل الذي لن يتكرر.