قال مرشدنا السياحي في إحدى ضواحي هونج كونج وهو يشير إلى قمة جبل يطل على البحر: هل ترون ذلك المنظر الذي يشبه أماً تحمل طفلها وتطل إلى البحر؟ قلنا: نعم. قال: إنها زوجة صينية ذهب زوجها إلى البحر للصيد وتأخر في العودة فصعدت الجبل تحمل طفلها وظلت تراقب البحر علها ترى مركب زوجها عائدا، ولكنه لم يعد، وظلت في مكانها تحمل طفلها في موسم شتاء شديد البرودة، فتجمدت المرأة وطفلها وتحولا إلى صخرة ترى من البعد وعرفت في الموروث الصيني "بصخرة الأم". وهي ترى من البعد أقرب الى المرأة وطفلها بخلاف ما يظهر في الصورة التي تظهر امرأة تحمل طفلا وقد تدثرا بلباس محلي. لاشك أن شكل الصخرة وموقعها مطابق لما ذكر المرشد السياحي، وهي بلا شك أسطورة وظفت لحالة إنسانية تعبر عن كفاح الرجل ووفاء الزوجة، ثم وظفت سياحياً، ولم تفقد المعنى الإنساني المعبر عن حالة إنسانية يبدعها خيال الانسان. ليلي على المشرافْ ومطالعه لك حتى طلوع الّلّوليْن والصبحْ بان تذكرت هذه الأسطورة بعد قراءة أبيات لشاعرة فرسانية لم يبق من أبياتها غير أربعة أبيات تغني عما أضيف إليها من أبيات تعبر عن مأساة زوجة بحار فرساني لم يعد من إبحاره فخرجت الزوجة إلى المشراف وهو مرتفع من الأرض يشرف على البحر علها ترى زوجها عائداً، ولم يتسرب اليأس إليها من عدم عودته، غير أن المواسين لها ربما كانوا يعزونها بأن تيار البحر أخذه إلى بلاد أخرى وسيعود، ما جعلها تظن به الظنون أن لقي حباً آخر. لقد حرصت على التأكد من صحة الأبيات كاملة فاتصلت بالشاعر المبدع الاستاذ ابراهيم مفتاح، فأكد القصة مضيفا: أن أبياتاً من القصيدة الأصل فقدت لم يكن يدركها زمن التدوين وغادر رواتها الحياة، ولم يبق مما تحتفظ الذاكرة به غير الأبيات الأربعة التالية: ليلي على المشرافْ ومطالعه لك حتى طلوع الّلّوليْن والصبحْ بان كل السواعي روَّحنْ وأنت مالك؟ تشتاقْ لك نخله وفيَّهْ وجدران يكفي غيابْ... من يوم ما غاب فالكْ لا الظّهريَّهْ تحلى ولا اللَّيْل لى زان هل الهلال وأحنا انترجَّى هلالك غلّق رجبْ واليوم في نُصْ شعبان وأعتقد أن صحة البيتين الثالث والرابع كما يلي: يكفي غيابك يوم ما غاب فالك لا الظهر يحلى لي ولا الليل لي زان هل الهلال واحنا نترجّى هلالك غلّق رجب واليوم في نص شعبان كما أعتقد أن البيت التالي للشاعرة: الفقد يغلبني ووحشة عيالك ياليت لك يا بحر سكة وعنوان ويضيف الاستاذ ابراهيم: أنه قام بكتابة الأبيات المفقودة وفق رؤيته الثاقبة لحياة فرسان القديمة وهو الشاعر المثقف المحتفظ بتراث الجزيرة في متحفه وذاكرته وكان ما أضافه الشاعر ما يلي: شوق المرايا غاب عنُّه خيالك ليت المرايا تحتفظ بالذي كان شاكتب عليها حالتي بعد حالك واكتبْ عليها للهوى ألف عنوان طفْت الديار اسألْ عسى كيف انالك لكن سؤالي ضاعْ حسره وحرمان حايرْ سؤالي كيفْ يلقى سؤالك اسألْ ثواني الوقتْ والوقت ما حان بين البحورْ قلبي تعب واعتنى لك من أجل طيفك بالتعب صار فرحان عنَّا سليتْ... قلت السلا كيف آجالك معقولْ قلبكْ للهوى بعدنا لان ويلي من الحسّادْ... ويلي وويلكْ دمعي ودمعكْ بالسهرْ ليلْ هتان هذي نجومْ الدمع فيها ظلالكْ تسقي روابي الخد آهات ْولهان كيف اطوى اللشواقْ واطلع جبالكْ بيني وبينكْ بحر وامواجْ هجران كفى... كفى يا بُعدْ قصَّرْ حبالك خَلَّى غريب الدارْ يرجع للوطان يا بحر كل اللشرعهْ راجعه لك مشوارنا يا بحْر ماتمْ للآن ثم حلت بالمنطقة مناسبة استدعت استحضار تاريخ المنطقة الاجتماعي فقدمت القصيدة كاملة وتناولها الشعراء بالحذف والإضافة تصويراً لمعاناة الماضي ورفاهية الحاضر، وحق أن يلام المرء بعد الاجتهاد لما سأذكر فيما بعد. من ناحية كتابة القصيدة لو قدر لي كتابتها لكتبت بعض مفرداتها كالتالي: مطالعة، الاولين، وانت، نخلة، فية، واحنا، شا اكتب، سوالي، سوالك، حسرة، أجا، الاشواق، للاوطان، الاشرعة، راجعة. لماذا؟ لأن الشاعرة تنطق ونحن نكتب، ولن تخل الكتابة بالقصيدة قدر ما تيسر فهمها، واللهجة لا تغير رسم الكلمات، وتقريب الشعبي للفصحى مستحسن. وللمقارنة بين أبيات الشاعرة والأبيات الجديدة نلاحظ في الجديدة الجدة والمعاصرة في قول الشاعر: عنُّه، عنوان، حرمان، سكة، ثواني، معقول، روابي، مشوارنا. والأستاذ ابراهيم أبدع في وصف المعاناة واستحضار قيم الماضي وغيرة المرأة وعناءها وظنونها بسلو الرجل وحب النساء. والمشراف الذي أشارت إليه الشاعرة تعرفه البلاد الساحلية حين القفول، وترقب عودة البحارة فداخل البحر مفقود والخارج منه مولود، وكم شهد المشراف من المواقف المفرحة والحزينة، وتعرفه أيضا عند وداع البحارة في رحلة قد تطول، إما للصيد وجمع اللؤلؤ والصدف أو للتجارة، وتحمل المراكب رجالا وصبية يلتمسون الرزق لإعالة أسرهم. وأخيرا أعتذر عن إبداء الملاحظات التي لا تقلل من إبداع الشعراء ومذاهب الكتاب، كما أذكر بهذه المناسبة بقيم الإبداع في الفن الشعبي ودوره في تصوير خيال الإنسان وإحساسه بالأحداث من حوله ورسمها في نصوص أدبية أو نقشٍ ونحتٍ وتصور للأشكال اللافتة للانتباه والمخيال الفني كما في القصيدة والصخرة. وفي الختام أرفق القصيدة كما وجدتها. إبراهيم مفتاح صورة للقصيدة كما وجدتها