يبدو أن الخيط الفاصل بين الكرامة والمشاعر خيط باهت وشفاف جداً لذا صعب علينا الفصل بينهما فعندما نتعرض للتجريح أو التطاول ممن حولنا نشعر ونقول مباشرة إن كرامتنا أهينت، بعض الزوجات عندما تتعرض للخيانة للمرة الأولى ترى أن كرامتها أهدرت بينما لو تتعرض للضرب للمرة الأولى أو حتى العاشرة لا ترى جرحاً لكرامتها وتشعر بنزف مشاعرها وقد نلمس هذا حتى في الكلمات التلقائية التي ترددها، هنا فيصل لابد أن نقف عنده وهو مادخل كرامتنا في تصرفات الآخرين؟ عندما يسيء من حولنا لنا ما شأن كرامتنا بالأمر، إن أقدم شخص على فعل مشين أو جارح لشخص آخر فكرامة من التي أهينت وانجرحت ؟ هل كرامتك تهان بتصرفك أنت أم بتصرفات الآخرين بمعنى هل تصّرف الابن الشائن يهين كرامة والده وأسرته أو تصرف الأب غير المسؤول يهدر كرامة أسرته لوكان الأمر كذلك فما تفسير أن الله يذكر في كتابه الكريم فعل ابن نوح عليه السلام ويصف عمله بأنه غيرصالح، وذكر والد إبراهيم العابد للأصنام، وذكر فعلة أخوة يوسف، وتنزيل سورة كاملة في عم حبيبه صلى الله عليه وسلم أبي لهب؟ لماذا لم يحافظ الله على كرامة أنبيائه وهم أحباؤه وقدوة عباده ولم يذكر القصص المشينة لأقرب المقربين لهم إذا كان المقياس بهذا الشكل؟!! إن هذه الآيات ما هي إلا دليل على أنه لاتزر وازرة وزر اخرى ولكننا هنا لانتحدث عن حمل أوزار بعضنا ولكن نتحدث عن الكرامة التي يعتقد البعض أن كرامته تهان لأن شخصاً آخر تطاول عليه أو طعنه في ظهره وخيب ظنه؟ إذا كان المخدوع أهينت كرامته فالخادع ماذا حصل له هل تبوأ المراكز الأولى في الخداع البشري؟! معظم المواقف الحادة تؤخذ ضد الآخر لأننا نعتقد أن خطأه أهان كرامتنا ونحن في حال دفاع عنها بينما الحقيقة أن كرامتنا بأيدينا وليست بأيدي الآخرين وعزتها أو العكس مرتبطة بتصرفاتنا نحن وليس بتصرفات من حولنا مهما كان قربهم أو بعدهم عنا وقد شكلت لنا قضية الكرامة عقدة نفسية بالغة التعقيد ولو شخصنا الحالة بدقة أكثر ووضعنا كل شيء في مكانه السليم لعلمنا أن كرامتنا مصانة طالما كانت أخلاقنا زاهية!! وفي جانب أخر نرى موقفاً غريباً للكرامة حيث إن موقفها ليس موحداً في جميع الأحوال فمثلاً عندما يتعرض الشخص الذي أهان كرامتك بتصرف ما لحادثة من حوادث الدنيا كالموت يواجه من يعتقد أنه أهينت كرامته وجمع العدة للخصام أو الانتقام لمصيبة من مصائب الدنيا كالموت وهو من أشد وأهول مصائب الدنيا تجد نفسك من أوائل القائمين بالواجب أي أن الكرامة التي تعتقد أنها مجروحة ومهانة تنتظر فقط المصائب لتتخطى هذا الجرح رغم أنك قد جمعت العدة للخصام أو الانتقام، وهذا يشير إلى أنه لو كانت الكرامة مجروحة فعلاً لعانا الشخص المرارات والصراعات مع نفسه هل يؤدي ما يراه واجباً أو يبقى على عداوته، معنى ذلك أن الكرامة لم تمس وإنما هي المشاعر التي تألمت من الخطأ الذي تعرضت له لذا نجدها تتشافى وتتحامل على ذاتها وقت تعرض الآخر(الخصم) للمصيبة ولا أعرف من الذي سن فلسفة انتظار المصائب ليصفي الجو بين المتخاصمين !! مع أنني أرى مشاركة الفرح أهم ألف مرة من مشاركة الحزن فمشاركة الفرح دليل على صفاء القلوب حقاً ورغم ذلك تجدنا لانشارك بالفرح ونسارع للمشاركة في الأحزان وكأنه رفع عتب !! مسألة بشرية غريبة هنيئاً لمن استطاع التغلب على هذه الفلسفة المفلسة..