ليس أسوأ من مشهد ذلك الشخص الدنيء الذي لطم سيدة في إحدى أسواق جدة، واستغل قواه العضلية ضد امرأة عزلاء، إلا أولئك الذين أحاطوا بالمشهد ليتأملوه بحياد المتفرج، خذلان تغيب عنه معالم الشهامة والمروءة.. ولن أضيف هنا كلمة الرجولة، التي اعتدنا أن نجعلها في مجتمعاتنا الذكورية صنواً ملازماً لحسن الخلق ونبل الشمائل، على حين أن التجربة تثبت دوماً ويوماً إثر الآخر.. أسطورية هذا اليقين. ولم تغادر كتاب المطالعة حكاية الجيوش الجرارة التي أولها عند الخليفة المعتصم وآخرها عند السيدة التي استنجدت به بعد أن لطمها رجل في السوق. عبر التاريخ لا يضبط الظلم والتسلط والجور إلا الشرائع والقوانين، والعدالة والنبل خصال ليس لها علاقة بالنوع. حادثة المرأة المصفوعة هي ما وصل لنا عبر وسائل التواصل فقط، ولكنها أيضاً غيض من فيض مما قد يحدث على أرض الواقع مع استمرار غياب قانون ضد التحرش، الأمر الذي يتطلب من المؤسسة العدلية أن تعيد وبقوة تحريك ملف قانون التصدي للتحرش والعنف ليس فقط على مستوى المناقشة بل والتفعيل. القانون على ما نسمع ونقرأ ما برح ضائعاً في دهاليز مجلس الشورى، وآخر الأخبار عنه (والله ما أدري فين راح!) بحسب ما صرح د. بندر حجار نائب رئيس مجلس الشورى الصيف الماضي لجريدة المدينة. وهذا الجواب يستوقفنا بدهشة للسؤال عن طبيعة الدهاليز في مجلس الشورى؟ وعن إدارة الظل داخل المجلس التي تتحكم في المواضيع التي تناقش؟ ولم أفهم إلى الآن كيف تعمل مؤسساتنا الحكومية بلا تنسيق أو انسجام يخدم أهداف التنمية، فتهدم إحداها ما بنته الأخرى؟! فوزارة العمل تصدت لقضية عمل المرأة بشكل ينسجم مع الخطط التنموية بعدما ارتفعت نسبة البطالة النسائية بشكل سبب قلقاً للسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي، وبدورها وبموازاة هذا وزارة العدل أعدت قانوناً يحمي المرأة من العنف والتحرش، وإن كان قانون التصدي للتحرش لم ينل استقلاله إلى الآن. لكن السؤال أين هذه القوانين؟ من الذي يحجبها ويمنعها، ويلقي بها في متاهة الدهاليز؟ هل هو نفسه ذلك اللوبي الغامض الذي ما برح يحاول أن يرفع السدود أمام تدفق نهر التنمية؟ ويضع العصي في عجلة التطور؟ أم مجموعة النعام التي تدفن رأسها في الرمل بحالة انقطاع تام عما يحدث في محيطها، وترفض مناقشة قانون التحرش بحجة أن هذا يكرس.. الاختلاط كحقيقة وأمر واقع لا رجوع عنه؟ مع الأسف أن يعتبر البعض أن كل منجز حققته المرأة السعودية من تعليم وابتعاث وتمكين إداري واقتصادي، هو وضع خاطئ ومؤقت وسيزول بزوال المسببات. بل إن بعضهم جعل من بطاقة هوية المرأة نوعاً من الابتلاء!! مع ما في هذا التصريح من خروج على أنظمة إدارية سنها ولي الأمر ومع ما فيه من إثارة الفوضى والبلبلة بين شرائح المجتمع، وكالعادة يتم استغلال منبر الفتاوى الدينية لتحقيق أجندات وأفكار شخصية. وامعتصماه.. من أبرز حقوق المواطنة الآن وهي تشارك في مسيرتنا التنموية، حمايتها وتفعيل قانون التحرش ضد أخطار الفضاء العام، أما من لديه رأي آخر فليجربه في مكان آخر، وليدع المواطنة تنال مستحقاتها، فالمرحلة ومتطلباتها الأمنية والاقتصادية، لم تعد تحتمل المزيد من المزايدات واللعب بالأوراق الدينية في سبيل الاستحواذ على السلطة، أو التمهيد للوصول لها. لمراسلة الكاتب: [email protected]