يروي المؤرخ الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك (أنه عندما حاجج الثائرين على عثمان بن عفان رضي الله عنه، احتكموا للمصحف وقالوا له (ادع لنا بالمصحف)، وهو المصحف نفسه الذي رفعه جيش معاوية رضي الله عنه على أسنة الرماح في معركة صفين، إبان الحرب الأهلية الدموية التي وقعت في أواخر عهد الخلافة الراشدية واتفق المؤرخون على تسميتها بالفتنة الكبرى. وظلت السياسة الماكرة تستدني النص المقدس إلى ردهاتها لتستأثر بالحق والشرعية، وتقطع الطريق على خصومها ومنافسيها، فتسعى السلطة دوما لتبني التفاسير التي تتوافق مع نظمها وأنساقها الفكرية.. ومن هناك تصبح سلطتها مقدسة بموجب الحق الإلهي.. تعلو ولا تُعلَى. وتورمت صفحات كتب التاريخ بأخبار الحروب الدينية والفتن والرؤوس المتدحرجة ورخص قيمة البشري مقابل تضخم اللاهوت. فالخوارج قتلوا عليا كرم الله وجهه تحت مظلة قولهم.. لا حاكم إلا الله.. وتدحرجت الرؤوس تحت قاعدة صولة المتغلب، حتى إن رؤوس بعض من آل البيت دخلت العاصمة الأموية من بوابة، بينما جيوش الفتوحات الإسلامية في بقاع الأرض تغادرها من بوابة أخرى، بينما في العراق كان الحجاج يرقب الرؤوس وقد أينعت وحان قطافها.. وحينما أرسل الخليفة العباسي المنصور إلى عبدالرحمن الداخل في الأندلس يأمره أن يرجع للدخول تحت مظلة الدولة العباسية في بغداد، فكان جوابه رأس الرسول نفسه.. فعندها قال الخليفة المنصور قولته الشهيرة الحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر.. وفي زمن فتنة الأمين والمأمون كتب طاهر بن الحسين إلى الفضل بن سهل وزير المأمون (كتبت إليك ورأس علي بن عيسى في حجري وخاتمه في يدي والحمد لله رب العالمين). القائمة تطول وما سبق هو غيض من فيض، وجميعه كان يلوذ بمظلة النص المقدس، المرجعيات الدموية التي اختارت تفسيرات العنف كانت تقتل وتذبح باسمه، إذ على امتداد 14 قرنا ظلت الأسنة والسيوف تلاعب الرؤوس. والبشاعة الداعشية التي نراها اليوم هي أحد امتداداتها التاريخية . ومابرح النص الإسلامي أسيرا لدى أصحاب الرؤى المتطرفة الدموية.. فحادثة حرق الطيار الأردني جعلتنا نكتشف، من باب المصادفة، بحثا يتضمن تأصيلا شرعيا لجواز حرق الأسرى. وما برح نصنا المقدس مختطفاً لدى من يرى (وهو بالمناسبة عضو في مجلس الشورى) في إقالة أحد المسؤولين من منصبه مناسبة لسجود الشكر والفرح والغبطة تماما كما سجد أبو بكر رضي الله عنه بعد مقتل مسيلمة الكذاب!! ومختطف لدى من يجيز التحرش بالمرأة لردعها عن الخروج، وجعل له تأصيلا شرعيا تأسيا بتعرض الزبير بن العوام لزوجته أسماء بنت أبي بكر في الظلمة ليردعها عن الخروج. ووسط هذه الظلمة أيضا باتت هناك حاجة قصوى لاسترداد إسلامنا بمرجعيته الحضارية المستنيرة التي أضاءت آفاق العالم لقرون نحن بأمس الحاجة لقراءة عصرية تؤمن بالأيام المتداولة بين الناس وتستضيء بمقاصد الشريعة الكبرى، وفقه النوازل، مبتعدة عن الرؤية النصوصية الضيقة والتنقيب عن الجوانب الدموية المعتمة في تاريخنا التي أفضت بنا إلى ولادة كيان متوحش ببشاعة.. داعش. لمراسلة الكاتب: [email protected]