في غابات الاكوادور في أمريكا الجنوبية يعيش صنف جميل من الطيور المغردة، وقد شغلت هذه المخلوقات الصغيرة الجميلة علماء الطبيعة لفترة زمنية طويلة بطبيعة الغناء الذي تنفرد به اسم هذا الطائر هو «النمنمة» (بضم النون). ويعود سبب سبب اهتمام العلماء بهذا النوع من الطيور إلى الغناء الصعب الذي يؤديه في كورس جماعي ووفق نظام حسابي دقيق ومتكامل، وقد راقب علماء مختصون من جامعة سانت اندروس في اسكتلندا وعلى مراحل زمنية طويلة حياة هذه الطيور وتوصلوا إلى قناعة بان هذا الغناء الكورالي هو أكثر الأنواع تطورا وتعقيدا في عالم غناء الطيور قاطبة، أو في الأقل على حد المعلومات العلمية المتوفرة لحد الآن. وقد لاحظ هؤلاء بأن اناث الطيور هي التي تبدأ الغناء وكأنها تسأل فتجيب ذكور الطيور ويستمر الغناء بشكل منتظم وساحر حيث تؤدي خلاله مجموعتان من الذكور والاناث مقطوعة موسيقية بارعة تستمر دون أن يتقاطع غناء أحد الفريقين ببعضهما البعض بل وحتى دون أن تنشأ فجوة أو فراغ زمني بين مقاطع الغناء. ورغم أن هناك الكثير من أصناف الطيور المغردة في العالم غير أن ما يثير الاهتمام هنا هو النظام الدقيق والحساس الذي يرافق أداء هذا النوع من الطيور، ومن أجل أن يفهم العلماء قواعد هذه السيمفونية الطائرة بادر فريق العلماء المعنيين إلى صبغ أقدام الطيور بحلقات لونية مختلفة لغرض تمييزها وقاموا بتسجيل الغناء بميكروفونات عالية الحساسية ثم عكفوا على دراسة التسجيلات في مخابر الصوت العلمية في محاولة لفهم النمط الذي يجري على أساسه الغناء. النتيجة كانت كالتالي فكل سؤال غنائي تطلقه أنثى الطير يقابله جوابان متتاليان يؤديهما الذكور على الفور وقبل أن يحصل فراغ زمني بينهما ثم يعقب ذلك فسحة زمنية قصيرة جدا تتكرر بعدها الدورة الغنائية من جديد ويمكن أن يستغرق هذا الكورال الغنائي المتبادل الأدوار مدة دقيقتين كاملتين. ومن الطريف أن كل دورة غنائية تبدأ حين تقوم أنثى من إناث الطيور بتقديم نوع أو نموذج معين جديد ويجيب الذكور بشكل جماعي على هذا السؤال الغنائي بغناء آخر يبدو وكأنه متفق عليه. وقد أحصى العلماء أربعين لحناً غنائيا مختلفا لكل طير، ولم يستطع العلماء إلى اليوم البت بشكل قاطع بأسباب نشوء هذا الغناء ومغزاه بهذا النسق وظلت تفسيراتهم عبارة عن مجرد نظريات تبحث عن أدلة علمية واضحة، ففي الغابات المدارية مثلا غالبا ما يبقى زوج الطيور من الذكر والأنثى معا طوال السنة ويدافعان سوية عن عشهما ومنطقة نفوذهما ويعتقد العلماء أن تلك الفترة الزمنية كافية لكي تتدرب الطيور المغردة عموما على طريقة الغناء المشترك حتى تتقنه بشكل تام. ومن خلال هذه المعلومات النظرية المتوفرة عن أصناف أخرى من الطيور يحاول العلماء تفسير اتقان طائر النمنمة هذا للغناء الكوارلي حيث يعيش هذا الطير في مجموعات وليس منفردا، ويعتقد العلماء الذين يراقبون سلوك هذه الطيور بأن تلك السيمفونية إنما هي في الواقع جزء من آلية دفاعية محتملة ايضا، ويسند العلماء نظريتهم هذه بتحليل رد فعل الطيور حين استمعت للتسجيل الصوتي للغناء القادم من مكبرات الصوت، إذ سارعت هذه الطيور بالتحليق حول السماعات، مصدر الصوت الغريب وبدأت بالغناء بصوت أعلى حتى تغطي على صوت التسجيل.