منذ أسابيع قررت الدولة تبني اصلاح اقتصادي للقطاع العقاري يعد سابقة تنظيمية للقطاع، وتضمن من ناحية المبدأ السماح بفرض رسوم على الأراضي البيضاء، وتسعى الدولة من وراء ذلك لخفض الأسعار وإزالة التشوهات التي تسبب فيها سلوك كبار الملاك العقاريين الذين راكموا الملكيات الكبيرة من الأراضي وحولوها الى وسائل للمضاربة ورفع الأسعار، وضيقوا على الاقتصاد والمواطنين وسائل التمتع بالفرص المتساوية للتملك والاستثمار والسكن. فرض الرسوم في العموم مبدأ لا يحبه الاقتصاديون للتشوهات التي يحدثها في الأسواق وتأثيره المثبّط لحوافز الاستثمار، الا أنه في جانب الأراضي يحظى بتأييد ودعم كافة المدارس الاقتصادية منذ "آدم سميث" وحتى "ملتون فريدمان" الذي عارض في كل تاريخه المهني كافة انواع الرسوم عدا هذه التي أقرها، بحجة أنها الوحيدة التي لا تُحدث تشوهات في الأسواق، بل على العكس، تحمل معاني اقتصادية رائعة في التوزيع الأمثل للموارد بين افراد المجتمع. والجميل في فرض هذه الرسوم هو سهولة تنفيذها ومراقبة الوفاء بدفعها، بخلاف غيرها، فلا أحد يستطيع اخفاء ملكيته منها، أو تهريبها الى خارج المملكة، أو المماطلة بدفعها، كما لا تتسبب في أي تغير لقوة الطلب من قبل المشترى أو في تفضيلاته، وفي المقابل تحد من قدرة المالك على ابقاء ملكيته لفترة طويلة بغرض المضاربة كما كان الأمر في السابق، حيث سيجد المالك أن مزيدا من الناس يتجهون لعرض أراضيهم، لعدم قدرتهم على تحمل الرسوم، مما سيدفع بالأسعار للتراجع ويكون عندها مرغماً على المفاضلة بين خيارين، على عكس ما كان في الماضي، اما القبول للبيع بسعر منخفض أو دفع ما نسميه اقتصادياً "تكلفة الخصم Discounted Cost" للرسوم المقرة لفترة قرارة الاستمرار بالتملك.!. وحينما أعلنت الدولة عزمها على تطبيق الرسوم بدأت الآراء ُتطرح بشأن الآلية التي قد تنهجها الدولة في فرضها للرسوم، وفي اعتقادي أن هناك خيارين متاحين؛ الخيار الأول؛ فرض مبلغ مقطوع على المتر المربع لأي أرض تقع داخل النطاق العمراني، بغض النظر عن ما تحويه الأرض من ميزات أو خصائص، أي بمعزل عن قيمتها السوقية الحقيقية، وهذا في نظري لن يؤدي الى النتائج المرجوة من القرار، لأن تأثيره على زيادة العرض من الأراضي سيكون محصوراً في الأراضي الأقل رغبة ذات القيمة السوقية المتدنية. والخيار الثاني؛ تبني الأسلوب الدولي القائم على القيمة السوقية للأرضLVT) ) Land Value Tax، فالأرض التي قُرّر في تخطيط المدينة الحضري أن يكون استخدامها تجاريا، يستند تقدير رسومها على عوائدها التجارية المتوقعة، وهكذا في الاستخدام المنزلي الذي يأخذ تفاوت أسعار المتر المربع بين الأحياء في الاعتيار. لكن الصعوبة في هذا الأسلوب تكمن في أمرين، الأمر الأول عدم توفر مجالس بلدية نشطة وذات تأهيل وتمثيل متميز للقيام بمهام التثمين اللازم للأراضي. والأمر الثاني أن التخطيط الحضري القائم على (تقسيم المدن Zoning) لا وجود له لدينا، ولا توجد تنظيمات مفصلة وقوانين واضحة له، ويتم للأسف تغيير الشتات المتوفر من تنظيماته الحالية دون اعتبارات مهنية واضحة. في الحارة التي أسكنها مثلا هناك على الأقل 5 استخدامات متفاوتة للأراضي!!، بينما في الدول التي طبقت أنظمة الرهن العقاري نجد أن شركات الرهن العقاري تمتنع فيها عن تقديم قروض في الأحياء ذات الاستخدامات المتعددة لصعوبة تقييم المخاطر! ما أتمناه أن يكون فرض الرسوم مدخلا لتنظيم أداء المؤسسات المسؤولة عن القطاع العقاري، كالتي أشرت لها سابقاً، اذ لا يمكن تخيل فرض الرسوم دون النظر الى البنية التنظيمية لأمانات المدن، والمجالس البلدية، وأنظمة الرهن العقاري، وغيرها من المؤسسات الرديفة التي لا تسمح مساحة المقال بمناقشتها.