بدأت الهجرية العكسية من المدن الكبيرة إلى المحافظات والقرى تأخذ مسارا قويا وقرار حاسما من قبل الكثير من الشباب والأسر، بعد أن حظيت بتوزيع كاف من الخدمات سواء كانت الصحية أو التعليمية، وكذلك الصناعية والاقتصادية والتجارية، إلى جانب توفر الفرص الوظيفية في العديد من القطاعات الحكومية والخاصة، حتى أصبحت بيئة محفزة ومشجعة للانتقال لها. واتفق العديد ممن فضل السكن في المحافظات والقرى على المدن الكبيرة، بأنها أصبحت وخصوصا في السنوات الأخيرة بيئة جاذبة ومغرية، نظرا لما تتميز به تلك المدن الصغيرة من أجواء طبيعية نقية من عوادم السيارات، والمصانع، إلى جانب بساطة الحياة فيها وسهولة العيش، وكذلك قلة التكلفة المعيشية وانخفاض قيمة الإيجارات السكنية، وتوفر الخدمات، إضافة إلى أنها بيئة مناسبة للاستقرار النفسي والترابط الاجتماعي، على العكس من ذلك كانت المدن الكبيرة المكتظة بكثافة سكانية عالية، واختناقات مرورية زائدة، إضافة إلى ارتفاع أسعار السكن، وازدياد مصاريف الحياة المعيشية حتى أصبح من الصعوبة التكيف على ذلك. الكثافة السكانية وأوضح "خلف الدوسري" -إعلامي- أن انتقاله من العاصمة الرياض إلى وادي الدواسر كان قرارا صائبا في مسيرة حياته، مؤكدا على أن الكثافة السكانية أجبرت الكثير من الأسر على الهجرة من الرياض، إلى جانب ازدحام الأماكن العامة وصعوبة التنقل وانعدام التواصل الاجتماعي وصخب الحياة، وكذلك بعد السكن عن مقر العمل وارتفاع قيمة الإيجارات السكنية، لافتا إلى أن المدن الصغيرة تتميز بسهولة الوصول إلى المكان المطلوب وسلاسة التنقل، بالإضافة إلى تميز المدن الصغيرة كوادي الدواسر بالطبيعة الساحرة والهواء العليل وبساطة الحياة وسهولة العيش، وكذلك قلة التكلفة المعيشية وانخفاض قيمة الإيجارات السكنية، واقترح الدوسري تشجيع الهجرة العكسية من المدن الرئيسة الكبيرة إلى المدن الصغيرة والقرى ومنها: إنشاء مستشفيات كبيرة تشمل تخصصات صحية مختلفة، إلى جانب افتتاح مجمعات تجارية ضخمة، وتفعيل المهرجانات والمعارض متنوعة الأنشطة، وتفعيل الجانب السياحي بعدد من الفعاليات الجاذبة. ارتفاع أسعار العقارات وقال "محمد آل ماطر": عملت في مدينة الرياض نحو ثمان سنوات في مجال التعليم، وكانت تلك الفترة غير مستقرة لي أسرياً ونفسياً لتواجد والدي وأقاربي في مدينة خميس مشيط، ما جعلني دوماً في حالة تنقل وسفر، وتنشط تلك الحالة لدي خلال الإجازات، والمناسبات ما يترتب على ذلك غالبا معاناة حجوزات الطيران والسفر، إلى جانب التكاليف المعنوية والمادية، ما زاد من حالة عدم الرضا بالاستمرار في البقاء بمدينة الرياض، مضيفا انه كان دائما يضع مقارنة بين استقراره في مدينة الرياض أو انتقاله إلى مدينة خميس مشيط بجوار أسرته، إلا انه لم يجد فارقاً كبيرا أو امتيازات وظيفية أو أسرية تدفعه للتمسك بالبقاء في مدينة الرياض، كما عد ارتفاع أسعار العقارات من الأسباب التي جعلته يقف مكتوف اليدين أمام تحقيق حلمه في امتلاك منزل له ولأسرته على العكس من ذلك حينما انتقل إلى خميس مشيط. طقس جذاب وذكر "آل ماطر" عددا من المميزات التي تتميز بها كتوفر الخدمات الطبية والدوائر الحكومية، إضافة إلى وجود مطار ورحلات متعددة ومرضية، وكذلك مؤسسات تعليمية متنوعة في التعليم العام والعالي على رأسها جامعة الملك خالد التي تضم كليات علمية متعددة ومتخصصة ولديها إمكانيات القبول في جميع الدرجات العلمية، إلى جانب تمتع المنطقة الجنوبية بشكل عام بطقس ومناخ جذاب في فصلي الشتاء والصيف، كما لا يعاني من يسكن في خميس مشيط من صخب المدينة وضوضاء المركبات أو المشاوير الطويلة لقضاء احتياجاته كمدينة الرياض، مؤكدا على أن الانتقال أو الهجرة العكسية من المدينة الكبيرة إلى الصغيرة هي نهاية معاناة -على حد قوله- وطموح بتغيير الواقع ليتناسب مع الرغبة النفسية. القرب من الأسرة ويؤكد "عبدالوهاب المناع" -موظف قطاع خاص- أن انتقاله من مدينة الرياض كان بدافع الهروب من زحام الشوارع بالسيارات الأمر الذي يتطلب منه الخروج باكرا قبل موعد اللقاء أو العمل بساعات لضمان عدم التأخر، إضافة إلى أن أجواء العمل في المدن الكبيرة ونسبة المجهود المبذول فيه لا يمكن أن يتكافأ مع العمل في المدن الصغيرة، وكذلك ارتفاع أسعار الإيجارات السكنية وارتفاع تكلفة الحياة المعيشية، ولفت "المناع" إلى أن وجود بقية أفراد أسرته في المدينة التي انتقل لها كان أيضا دافعا أساسيا للانتقال من الرياض. صعوبة التنقل وأوضح "عبدالله المنيف" -موظف حكومي- أنه بعد غربة استمرت أربع سنوات أثناء دراسته خارج المملكة رجع إلى الرياض وباشر عمله إلا انه وجد الوضع لم يكن كما كان عليه سابقا، حيث لاحظ ارتفاع نسبة الزحام عند التنقل للعمل أو التسوق، كما انه لم يجد وقتا مناسبا للخروج بسبب ذلك الزحام، الأمر الذي دفعه إلى أن يفكر مرارا بين بقائه في الرياض أو الانتقال إلى مقر أسرته، ويضع مقارنة بين ذلك القرار من ناحية المستقبل الوظيفي والترقية، فتوصل إلى أن الانتقال لن يؤثر على ترقيته الوظيفية والراتب، إلى جانب أن التكلفة المعيشية أقل نظرا لانخفاض أسعار السكن وعدم وجود ما يتوفر في العاصمة من مطاعم وأماكن ترفيهية متنوعة تتطلب مصروفات مادية، كما أن إقامة والديه في حوطة سدير كان دافع رئيسيا في الانتقال لها. الاستقرار النفسي ويتفق "صالح المحسن" -معلم- في الأسباب التي دفعته إلى الهجرة العكسية من مدينة الرياض إلى بريدة، ذكر منها: ارتفاع مستوى المعيشة، وتكاليف شراء مسكن، إلى جانب الازدحام المروري الذي يتطلب الكثير من الجهد والوقت، كما يؤكد على أن انتقاله إلى مدينة بريدة كان بسبب عوامل محفزة وجذابة كالاستقرار النفسي والاجتماعي، إضافة إلى قلة الازدحام وانخفاض مستوى المعيشة مقارنة بالرياض، وتكافؤ الخدمات وتوفرها. توفر الخدمات فيما ذكر "محمد الشمراني" عددا من المميزات التي دفعته للهجرة من منطقة تبوك إلى عسير، منها: توفر الاستقرار النفسي والاجتماعي لقربه من عائلته في المدينة التي نشأ فيها، إلى جانب توفر أماكن التنزه والترفيه ومتطلبات الأسرة، وكذلك اكتمال الخدمات الصحية والتعليمية وجودتها، بالإضافة إلى توفر الخدمات الحكومية ممثلةً في المدارس والجامعات والكليات والمعاهد وقربها من مقر سكنه، إلى جانب أن الفرص الاستثمارية متنوعة، وتوفر السكن المناسب بأسعار مقبولة كان دفعا أساسيا له للانتقال إلى عسير. سكان المدن الصغيرة يسمعون بالزحمة! المساحات الخضراء في المدن الصغيرة أكبر من غيرها عوادم السيارات والمصانع تؤثر على صحة الإنسان توجه لاستغلال مزارع القرى لخدمة القطاع السياحي