الديمقراطيات الناشئة أكثر تهديداً للسلام في أحيان كثيرة من النظم الديكتاتورية.. هذا هو مضمون دراسة نشرتها مجلة «فورين أفاريز» (الشؤون الدولية) وهي أكبر مجلات العلاقات الدولية بالولايات المتحدة في عددها الصادر في نوفمبر المقبل. الدراسة المطولة هي في حقيقتها عرض لكتاب صدر مؤخراً بعنوان «لماذا قد تذهب الديمقراطيات الناشئة للحرب؟» لأستاذي علاقات دولية أمريكيين هما إدوارد مانسفيلد وجاك سنيدر، وقد قام بعرض الكتاب الهام لمجلة «فورين افاريز» جون اوين وهو أستاذ مساعد للعلوم السياسية بجامعة فيرجينيا الأمريكية. الكتاب الهام عبارة عن دراسة مطولة لقابلية الديمقراطيات الناشئة على شن حروب وذلك منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، حيث يصل الكتاب إلى خلاصة تنادي بضرورة التفرقة بين إسهام الدول الديمقراطية الراسخة والدول الديمقراطية الناشئة في الحفاظ على السلام الإقليمي والدولي. حيث يرى مؤلفا الكتاب أن الدول الديمقراطية الراسخة أقل استعداداً لشن حروب تهدد السلام الإقليمي والدولي بسبب تمتع هذه الدول بتقاليد ومؤسسات ديمقراطية تمثل أداة رقابة على نظم تلك الدول المنتخبة ديمقراطياً، في حين يرى الكتاب أن غياب الرقابة في الديمقراطيات الناشئة والإسراع بعملية الانتخابات الحرة قد يؤدي إلى صعود حكومات أكثر قابلية لشن الحروب. ويقول الكتاب إن حكومات الدول الديمقراطية الناشئة أكثر قابلية لشن الحروب لعدة أسباب مثل غياب الرقابة والمحاسبة عليها كما ذكرنا في الفقرة السابقة، ولأن المجتمعات حديثة العهد بالديمقراطية تشهد في الغالب صراعات عديدة بين طوائفها المختلفة مما يصيب نظمها الحاكمة بالتوتر، كما أنها في العادة تشهد صراعات مع الدول المجاورة لها، ولغياب الرقابة ولحداثة عهد هذه النظم الديمقراطية الناشئة مما قد يصعب عليها التحكم في أنفسها مما يؤدي إلى شنها حروباً على جيرانها. كما يرى الكتاب أن الصراعات العديدة التي تشهدها الدول الديمقراطية الناشئة قد تشجع النظم الحاكم فيها على تأجيج مشاعر شعوبها القومية أو شن حرب خارجية بهدف توحيد الصف الداخلي. لذا ينتقد الكتاب تصور الرئيس جورج دبليو بوش بأن بناء دولة ديمقراطية في العراق سوف يؤدي بالضرورة إلى إحلال السلام بالشرق الأوسط، حيث يرى الكتاب أن قدرة العراق الجديد على إحلال السلام في الشرق الأوسط تتوقف على قدرته على ترسيخ التقاليد والمؤسسات الديمقراطية بداخله وهي عملية تحتاج لفترة طويلة، لذا يرى الكتاب ان نجاح نظرية بوش تتوقف على عاملين رئيسيين أولهما تدخل أمريكا النشط لدعم عملية بناء الديمقراطية في العراق على مدى فترة زمنية طويلة، وثانيهما مساندة جيران العراق النشطة لعملية تحويل العراق لدولة ديمقراطية.جدير بالذكر ان الكتاب يتبنى وجهة نظر واقعية محافظة تجاه العلاقات الدولية، حيث يظهر توجه مؤلفي الكتاب المحافظ في حرصهما على نشر الديمقراطية الليبرالية في العالم كنظام حكم يجب أن يعمم، كما أنهما في نفس الوقت يميلان للعزلة الدولية ويحذران أمريكا من مغبة المبالغة في لعب دور دولي نشط في مجال نشر الديمقراطية في العالم، كما أنهما يتبنيان نظرة واقعية ترى أن الحفاظ على النظم السلطوية من أجل السلام العالمي وهو أمر مفضل على نشر الديمقراطية والحروب معاً.ويضرب المؤلفان مثالاً بما حدث في رواندا وبوروندي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، حيث يريان أن ضغوط المؤسسات الدولية - كالبنك وصندوق النقد الدوليين - على رواندا وبوروندي للاسراع بعجلة الديمقراطية داخلهما كان مقدمة لسلسلة تطورات قادت إلى انهيار الدولتين ووقوع المذابح الواسعة التي تعرض لها شعبا البلدين.