تنطوي الاتهامات المتكررة التي دأبت جهات غربية على توجيهها كيفما اتفق في مجال حقوق الإنسان على علل بنيوية تسلبها منطقيتها وواقعيتها وتحيلها محض ادعاءات خاوية، لعل أول هذه العلل أنها تنطلق من رؤية استعلائية تستبطن احتكار الحق المطلق والقيم الجامعة في معيارية هشة لا تأبه بالاختلافات الطبيعية بين الثقافات والحضارات، ولا تضع وزنا لاختلاف السياقات الدينية والاجتماعية والثقافية، وما توافق عليه هذا المجتمع او ذاك، محتكمة إلى رؤية مركزية تصوغ العالم بتنوعه وتبايناته وفق رؤاها ومرجعياتها وتجربتها التاريخية والاجتماعية والسياسية، وهي نظرة استعلائية لا تنم فقط عن فوقية غربية معتادة بل تنطوي أيضا على رؤية عنصرية لا ترى في الآخر المختلف سوى قيم التخلف والرجعية وبقية التهم المعلبة، والصور النمطية التي بحاجة لتدخل الإنسان الغربي المتحضر. سيادة المملكة ودستورها ليسا للمساومة.. والإجماع الوطني يسقط الأجندة المشبوهة علة أخرى تعتري الادعاءات الغربية وهي وقوعها في فخ التوظيف السياسي، اذ درج الغرب على إشهار سلاح حقوق الإنسان قبيل أي مفاوضات او صفقة ما، في محاولة لجني مكاسب سياسية او اقتصادية او التأثير في مسار قضية من القضايا محل الجدل. اما ثالث هذه العلل فهي الانتقائية الفجة التي يعالج بها الغرب قضية حقوق الإنسان، وعينه العوراء التي تنشغل بقضايا داخلية، غاضة الطرف عن جرائم فادحة ترتكب بحق الإنسان تسلب فيها حياته وحقه في العيش الكريم، فضلا عن بقية حقوقه التي لا مغزى لها ان كان وجوده أصلا مهددا بالزوال، هذه الانتقائية التي ساوت الجلاد بالضحية في القضية الفلسطينية العتيدة، التي جعلت المجزرة الحية والمستمرة بحق الشعب السوري بندا في مفاوضات ومساومات عبثية، وأيضا التي تعامت عن المآسي الإنسانية بحق عرب الاحواز ومسلمي بورما، وسواها من القضايا الإنسانية الملحة. في هذا السياق تندرج الاتهامات السويدية الملفقة تجاه المملكة وقضائها المستقل الذي لا سلطان عليه سوى الشريعة الإسلامية السمحة، تلك الشريعة الإلهية التي سبقت كل الدساتير الوضعية في ضمان حقوق الإنسان بلا استثناء، وكفلت العدالة للجميع في إطار من المساواة والشفافية والحياد. لذلك بدا مفهوما ومبدئيا موقف المملكة الرافض لكل هذه الادعاءات والأكاذيب، والاستثمار المغرض لمفهوم حقوق الإنسان لوسم القضاء السعودي بتهم زائفة لا تستند الى واقع ولا يؤيدها برهان، وكانت الرسالة السعودية واضحة وجلية بسحب السفير السعودي في السويد، وهي رسالة لا تكتفي بالرد على هذا التهويل الإعلامي والذب عن واقعها الحقوقي والقضائي، بل وتؤسس أيضا لموقف صارم يعيد ضبط مفهوم حقوق الإنسان، ومفاهيم السيادة السياسية. الموقف السعودي الحاسم المدعوم عربيا وإسلاميا يرسم حدودا جديدة لوقف العبث المستمر بمفهوم حقوق الإنسان الذي بات مجرد أداة في ميدان الصراع السياسي او الاقتصادي، كما انه يعكس ثقة الدولة بقضائها واستقلاله وحياديته، موقفا سياسيا يؤكد احترام السيادة ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة اذ اعتبرت الخارجية السعودية تصريحات وزيرة الخارجية السويدية "تدخّلا سافرا في شؤونها الداخلية لا تجيزه المواثيق الدولية ولا الأعراف الدبلوماسية ولا ينسجم مع العلاقات الودية بين الدول". المرأة السعودية تبوأت مكانها في كثير من مجالات العمل الرسالة السعودية أضاءت أيضا ما أرادت الاتهامات السويدية التعامي عنه، وهي الانجازات الحقوقية التي حققتها المملكة انطلاقا من النظام الأساسي للحكم الذي نص في مادته الثامنة على أن الحكم في المملكة يقوم على أساس العدل والمساواة وفق الشريعة الإسلامية، كما استعرضت المملكة النقلة النوعية للمرأة السعودية وما حققته من انجازات كبيرة في كثير من المجالات في إطار هويتها الإسلامية والعربية التي يريد الغرب - فيما يبدو - ابتذالها تحت يافطة حقوق الإنسان، حيث وصلت المرأة السعودية الى مناصب قيادية في القطاعين الحكومي والخاص، كما ان لها مشاركة فاعلة وحيوية في مجلس الشورى، بل ان نسبة مشاركتها في المجلس تفوق نسب مشاركة المرأة في المجالس البرلمانية في بعض الدول الأخرى التي ترفع لواء حقوق المرأة، وترقى نسبة حضور المرأة السعودية في مجلس الشورى الى المتوسط العالمي البالغ 20 %. غير أن أهم الرسائل التي بعثها الموقف السعودي القوي تجاه الاتهامات السويدية كان داخليا، اذ أكد موقف المملكة الراسخ تجاه سيادتها وشؤونها الداخلية ودستورها القائم على القرآن والسنة النبوية، كاشفا ثبات المملكة على مبادئها وقيمها أمام الضغوط البائسة لأجندة دولية مشبوهة، مستندة في ذلك على شرعيتها المستمدة من شريعة الإسلام ومن الالتفاف الوطني والإجماع الشعبي حول سياستها وتشريعاتها. كما عكس الموقف الصارم استقلال المملكة السياسي ومتانة موقفها الحقوق والقضائي إزاء أي شبهات تطفو بين الحين والآخر للنيل من دولة عصية على التشويه والمحاولات المشبوهة، وأضحت في محيطها الاقليمي والدولي أنموذجًا إنسانيا في حفظ الحقوق والحريات لقيامها على قيم العدل والرحمة والمساواة المستمدة من وحي رباني اختاره الله لعباده وهداهم إليه.