الحراك الدبلوماسي متعدد الابعاد والمكثف والمستمر الذي يتم في الرياض وبقيادة مباشرة من خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله يؤكد اننا امام حدث مهم سوف يضبط المشهد السياسي العربي والاسلامي ويؤثر على الممارسة السياسية الدولية , ان القراءة المتأنية والعميقة لهذا النشاط انطلاقا من القيم السياسية السعودية الراسخة منذ عهد الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية ومن الخصائص الشخصية لخادم الحرمين احد اهم عرابي وصانعي السياسة السعودية منذ ما يزيد على خمسين عاما وهي شخصية متعددة الامكانات والقدرات تكونت من خلال الحضور الفاعل في جميع المدارس السياسية السعودية بدءا من مدرسة الملك المؤسس مرورا بمدرسة الملك سعود ومدرسة الملك فيصل ومدرسة الملك خالد ومدرسة الملك فهد ومدرسة الملك عبدالله رحمهم الله عز وجل اضافة الى مدرسته الخاصة بشخص سلمان بن عبدالعزيز التي تتسم بالشمول والعمق والعمل المستمر الدؤوب والحزم والحسم , من يعرف حقيقة مكونات واهتمامات وطبيعة هذه الشخصية ويربطها بحال الامة العربية والإسلامية المتردي نتيجة التشظي وضبابية الرؤية وغبشها وغياب القيادة الملهمة والموحدة مما جعلها مسرحاً مباحاً تنفذ عليه النظريات العالمية وتتم من فوقه الصراعات الدولية وجعلها مطمعا لأصحاب الاهواء والرؤى الضيقة القومية والطائفية من ابنائها وجعلها كذلك فريسة عاجزة سهلة المنال ومرتعا خصبا تنمو فيه الافكار والجماعات الارهابية والمسوخ الشيطانية , من يرى الصورة بهذا الوضوح والشمول يدرك ان هذا النشاط السياسي بتعدده وتنوعه وبعمقه وشموله وان تلك الرسائل التي تخرج من الرياض وارتكازها على ان مواجهة الارهاب حاجة انسانية كما هي حاجة عربية اسلامية وان النجاح في المواجهة الانسانية مع الارهاب بما يحقق مصالحنا يتطلب وضوح الرؤية والهدف واجتماع الكلمة لأهل الشأن من العرب والمسلمين , ومن خلال الرسائل المترددة في عدد من العواصم الاسلامية من القاهرة ومن اسطنبول واسلام اباد وجاكرتا ومن الرباط ومن عمان ومن ابوظبي ومن الدوحة بعيدا عن ضجيج النشاز الغوغائي كل ما سبق يؤكد اننا امام حالة بناء حقيقة لاستراتيجية سياسية جديدة للامة العربية والإسلامية اعتقد اعتقادا جازما انها ستقوم على مبدأ التضامن العربي الاسلامي وستكون هذه الاستراتيجية مفتوحة للجميع ممن يقدم ويعلي شأن الامة على شأنه الخاص ويبني استراتيجيته الخاصة انطلاقا من المصالح العامة للامة العربية والاسلامية وستكون هذه الاستراتيجية منفتحة على جميع الافكار والمذاهب والثقافات التي سوف ترعى محددات هذه الاستراتيجية ومصالح وثوابت الامة العربية والاسلامية , المملكة العربية السعودية من خلال استقرار وثبات منهجها ومن خلال امكاناتها وقدراتها ووضوح رؤية قائدها سوف تعيد لأفراد الامة فرصة اخرى للاستمتاع بالأمل الجميل الممكن لتحقيق التضامن والتعاون والاستقرار والنماء والرخاء بدلا من الكوابيس التي عشنا اشدها وطأة في العقود الثلاثة الاخيرة ومع بروز الامل الذي سوف يشرق من الرياض بمشيئة الله عز وجل , هذا الامل الذي استشرف بزوغه من تلك المعطيات وابشر به يتطلب دعما غير مسبوق من النخب العربية الدينية والسياسية والثقافية والفكرية , دعما يتطلب شجاعة من يتجرع السم ايثارا وإعلاء للمصلحة العامة للامة و يتطلب يقظة دائمة وانكارا للايدلوجيا ولحاجات الذات ويتطلب منهم عملا جادا ضاغطا موازيا للعمل الرسمي لدول ومؤسسات الامة. هذا الامل الذي تعمل عليه الرياض يتطلب اسنادا إعلاميا احترافيا شفافا داعما وواعيا وضابطا وكاشفا لكل القوى الداخلية والخارجية التي سوف تعمل على افشال هذا الامل العربي والاسلامي الذي يصنع في الرياض وهذا من منطق الامور وطبيعتها فقوتنا سوف نجد من يرى فيها تهديدا لمصالحه. هذا المشروع الذي يؤسس له في الرياض يتطلب عملا رسميا واخر نخبويا موازيا نوعيا يتصف بالتنوع والشمول الاستمراري موجها لدوائر صنع القرار والمؤثرة فيه في عواصم القرار الدولي واشنطن ولندن وباريس وبرلين وبروكسل وموسكو وبكين بما يمكن الامة من الحضور الدائم والفاعل عند صياغة المشاريع الدولية او عند تفسيرها او عند وضع الخطط الاجرائية لتنفيذها وهذا ما آمل وارجو ان يكون ضمن منظومة العمل العربي والاسلامي وفق الرؤية الجديدة والمكونة من قبل وزارات الخارجية في الدول العربية والاسلامية ومنظمة التعاون الاسلامي والجامعة العربية ورابطة العالم الاسلامي والمنظمة الاسلامية للعلوم والثقافة. ان التحليل الموضوعي لما صدر رسميا من القيادات السياسية (خصوصا في القاهرةواسطنبول) مبشر ويبين انها حريصة على اغتنام المناخات الايجابية التي تعزز بروزها في سماء المنطقة مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الامانة العظمى في المملكة ويتضح ذلك من خلال ترحيب القيادات بالعمل مع القيادة السعودية الجادة والصادقة والقادرة على الاخذ بأيدي الجميع لتجاوز الخلافات وكل الدلائل تؤكد وجود الاستعداد والرغبة الصادقة لدى الجميع للخروج من الازمة المزمنة , لذا من المؤكد ان لدى الجميع الاستعداد والقدرة على تقديم التنازلات اللازمة والتركيز على ما يجمع وتجنب ما يفرق والتخلي عن الايدلوجيا والاكتفاء بالعقيدة العامة الجامعة للامة والجميع يدرك ان هذا هو الطريق والسبيل الوحيد للوقوف من جديد وللصمود وللبقاء بعزة وكرامة , ولذلك من المتوقع بعد توفيق الله ان تطرح القيادة السعودية رؤيتها الاستراتيجية للخروج بالأمة من ازماتها المتوالية قريبا بمشيئة الله, ليبدأ الدور الحقيقي للنخب وللمؤسسات الثقافية والاعلامية فالمشاريع الجادة والاستراتيجيات التي تطلقها الامم والدول والقيادات ينفذها الافراد من خلال النخب فتمام النجاح مفتاحه بيد النخب والعكس لا قدر الله صحيح , وبعد نسأل الله تمام نجاح الجهود وصفاء القلوب والعقول ووضوح الرؤية والبصيرة للجميع آمين .