تمنع عدد من الوزارات النساء من دخولها. هل هذا أمر قانوني؟ يتكرر التصريح بأنه لا يوجد في الأنظمة ما ينص على منع النساء من تخليص أعمالهن بأنفسهن، لكن هناك تضارب في القرارات الداخلية التي تخلص إلى ذلك. والملاحظ في الموضوع أن الوزارات تتضارب في تأصيل هذه المعلومة، فمنها ما يسمح ومنها ما يمنع. والبعض يحيل إلى الأقسام النسائية. ولكننا، وللأسف، نعلم أن الأقسام النسائية في جلها لا تقوم إلا بالتوصيل وليس باتخاذ القرارات، إلا فيما ندر، ما يجعل كثيراً من المعاملات تعلق هناك. ومن لا تستطيع تحمل الانتظار تخوض معاناة من نوع آخر، معاناة الدخول إلى أماكن محرمة تحاصرها النظرات لمجرد لمح خيالها الأسود أمام المدخل الرئيس. وما مؤسسات الدولة الرسمية إلا القدوة في هذا الشأن، فهذه الشركات الخدمية الخاصة تقوم بنفس الشيء بترك النساء يقفن على الأبواب الخارجية كالمتسولات. وقد وقع أمامي ومعي منظر منع موظف في شركة اتصالات من منع امرأة من الدخول ووجدتها تقف في الخارج لأنهم أغلقوا القسم النسائي الذي كان في تلك المنطقة، وبالصدفة كنت أمر لشأن يتصل بالجوال وشاهدت المنظر وفرضت دخولي مع السيدة لإنهاء أمرينا، وعند ذلك لم ينبت الموظف الأول ببنت شفه وأجابوا عن استفساراتنا ومضينا، ولا كلمة اعتذار أو استدراك. والأمثلة كثيرة، أقسام الضمان الاجتماعي، التأمينات، الاستقدام، البنوك، المالية، وكذلك الأمثلة قائمة في السماح ما يشير بشكل واضح إلى أن هناك نظاماً لا يمنع النساء من دخول الأماكن الرسمية والعامة، فمؤسسة النقد موجهة بواجب خدمة جميع العملاء والعميلات ومن يواجه مشكلة يرفع الشكوى للمؤسسة ووزارة العمل تفتح أبواب وزارتها بشكل متكرر لسيدات الأعمال (مع وجود حالات أوقفت فيها النساء أيضاً خاصة في فرع الوزارة بالدمام من قبل البواب)، وأمانات البلدية في عدد من مدن المملكة وغيرها. ولكن نعود إلى استمرار الظاهرة واستمرار التناقض في التعليمات واستمرار تقبل مشاهدة النساء يقفن أمام الأبواب الخارجية للمؤسسات والوزارات في انتظار السماح لهن بالدخول أو بانتظار الذكر الذي يعثرن عليه ليدخل ويمثلهن في قضاء حاجاتهن. كما تستمر الظاهرة في المواقع غير الحكومية من مرافق الدولة والمرافق العامة كالمطاعم والأسواق ومحلات بعينها والتي تستسيغ إخراج النساء وتركهن ينتظرن في الخارج على أن ينتظرن في الداخل بعدد كبير من المسوغات غير المنطقية. فمثلاً لا يمكن لامرأة أن تدخل مطعماً أو مقهى مع زوجها وأطفالها إذا كان لم يكن هناك قسم نسائي أو عائلي ففي هذه الحال تبقى تنتظر في الشارع لينهي زوجها وأولادها مشروبهم (وهذه تجربة شخصية رفض فيها زوجي أن أُخرج حسب طلب الموظف الفليبيني وفق أوامر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). لدينا إشكالية تحتاج لحل سريع وليس لدينا جهة واحدة يمكنها تولي متابعة هذه الانتهاكات والتجاوزات التي تستهدف المرأة في المكان العام. ليس لدينا وزارة مثل وزارات المرأة التي يمكنها تولي مواضيع كهذه، وليس من الواضح إن كانت هذه مهمة أمانات البلدية فقط أم مهمة كل وزارة على حدة لمتابعة المتجاوزين. والاشكالية الثانية تتعلق بالأقسام النسائية في الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة التي تفتقر إلى الصلاحيات والقدرة على اتخاذ القرار، وهذا ما نراه بشكل واضح في إدارات الجوازات، وزارة المالية، البنوك، الأحوال وغيرها. فمكاتب الجوازات النسائية ليس لديها أي صلاحية لتجديد الجواز أو لتجديد تأشيرة. وأقسام البنوك الرجالية في بعض الأحيان لا تسمح بدخول النساء وخدمتهن ولا ينجح الأمر إلا عندما تعرف المرأة حقها وتطالب بمقابلة أعلى سلطة في البنك، فضلاً عن أن مديرات الأقسام النسائية ليس لديهن أي صلاحية في إصدار البطاقات أو اتخاذ القرارات المالية المهمة ويرسلنها بشكل تقني فني أو ميكانيكي إلى الأسفل عن طريق مصعد خاص ليضع المدير الرجل توقيعه عليها ثم يرسلها ثانية إلى القسم النسائي، والأمثلة كثيرة. والإشكالية الثالثة، والتي تحتاج لتعديلات هندسية، فهي افتقاد جميع مباني الوزارات والمباني العامة الرسمية، دورات مياه نسائية. لا شك أنها ظاهرة تبدو غريبة ومربكة من أكبر مسؤول لأصغره عندما تدخل امرأة وتصل إلى داخل مبانيهم وتسأل عن دورة مياه. يدخل هذا المرفق في حالة استنفار محرجة، ناهيك عندما تكون في زيارة هذه الوزارة أو تلك شخصية نسائية غير سعودية. أما الإشكالية الرابعة أنه ليست هناك عقوبة توقع على الجهة التي تميز في معاملتها للنساء وتمنع دخولهن المرافق العامة والحكومية وتنتهك قوانين الدولة في أن المواطنين سواسية في حقوقهم وواجباتهم. هي حالة من الحالات البائسة لتصور الحياة من غير نساء، فضاء عام بدونهن، ومؤسسات في غيابهن، يهرق كرامة المرأة ويدّعي تتويجها ملكة. حالة بحاجة لوقفة مراجعة ومحاسبة ومعالجة جادة. لمراسلة الكاتب: [email protected]